188ألّف أيضاً الزبير بن بكّار الذي ولد عام 172 وتوفي عام 256 للهجرة كتاباً في هذا الموضوع. وكتابه هذا أشار إليه السخاوي 1، وذكرتْه أيضاً مصادرُ أُخرىٰ 2. إلّاأن النصوص الواردة في الكتب التاريخية والمصادر التي تحدثّت عن سيرته، والفهارس التي أحصت مؤلفاته لم تذكر شيئاً عن هذا الكتاب 3.
يُعَدُّ عمر بن شَبّة أيضاً من المؤرّخين الذين كتبوا عن مكّة وأخبارها، وله كتاب يُدعىٰ ب « تاريخ مكّة» ذكره البخاري ونقل عنه 4، وقال: إنّ له كتاباً آخر في هذا الصدد واسمه « أُمراء مكّة» ، لكن البعض احتمل أن يكون كلا الاسمين عنواناً لكتاب واحد 5.
نسبت بعض المصادر إلى الحسن البصري (م110) كتاباً اسمه « تاريخ مكّة» ، ويبدو أن نسخة منه موجودة الآن في أحد مكتبات مصر 6.
ثم يأتي بعد كل هذا كتاب أبي عبد اللّٰه محمد بن إسحاق الفاكهي، وهو كتاب قيّم وفريد وقد سمّاه ب « أخبار مكّة في قديم الدهر وحديثه» وهو محور اهتمامنا الآن:
يوصف كتاب الفاكهي بأنّه كتابٌ تاريخي واجتماعي وجغرافي، يُتاح للمرء - بالاستناد إليه - التعرف على الكثير من الحقائق المتعلقة بمكّة، والكيفية التي كانت عليها الأطراف المحيطة بها. والموجود حالياً هو الجزء الثاني من الكتاب وهو يحمل بين دفّتيه ما يناهز الثلاثة آلاف حديث وخبر.
أما الجزء الأول منه فقد كان في متناول أيدي المحقّقين والمحدّثين حتّى سنوات من بعد تأليفه، فكانوا يستفيدون من مضامينه ومحتوياته. وقد أعاد محقّق هذا الكتاب - وبالاستناد إلى نقلهم وروايتهم - صياغة قسمٍ من جزئه الأوّل ، وهذا ما سنشير اليه لاحقاً.
أهمية الكتاب:
لقد ظل كتاب الفاكهي وعلى مَرّ الزمن موضعَ اهتمام العلماء والمحدّثين والمؤرّخين، فانتفع منه الكثيرون واكّدوا أهميته الكبيرة في تاريخ الإسلام. أثنىٰ عليه ابن حجر العسقلاني الذي استفاد منه كثيراً فيما ألّفه عن أخبار مكّة قائلاً:
« كتاب قيّم في خمسة كتب» 7.
وكتب تقي الدين محمد بن أحمد الفاسي المكّي الذي نقل في كتابه الكثير مما جاء في كتاب الفاكهي: « امور مفيدة جداً ليست من معنى تأليف الأزرقي ولا من المعنى الذي ألّفناه» 8.
لقد حوىٰ كتاب الفاسي علماً غزيراً ونافعاً. وقوله هذا - وهو قول رجل عارف - يحمل منتهى الدلالة على المكانة الرفيعة لكتاب الفاكهي وسعة مادّته ووفرة المعلومات المدوّنة فيه.
النقطة الأخرى التي تتضح من خلالها أهمية كتاب الفاكهي هي المعلومات والبيانات المسطورة على صفحاته، ولا أثر اليوم لمصادرها الأصلية.
لقد ضبط محقّق الكتاب - وهو لا شك محقّق جاد وبارع - النصوص والأخبار التي نقلها الفاكهي عن الآخرين بالشكل التالي:
« نقل عن كتاب عثمان بن عمرو بن الساج في تاريخ مكّة (47) مورداً 9.