16لم يكن فيها تنوين - للتعظيم والتكثير، ويجوز أن يكون للتنويع، أي نوعاً من المنافع الدينية والدنيوية.
وأما المراد بكلمة «منافع» فيروى عن محمد الباقر رضى الله عنه تخصيص المنافع بالأخروية وهي العفو والمغفرة. وفي رواية عن ابن عباس - رضي اللّٰه عنهما - تخصيصها بالدنيوية. أي أنه حملها على منافع الدنيا، وهي أن يتجروا في أيام الحجّ، وتكون إذناً بالاتجار، كما جاء في آية أخرى: «ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم» 1. قال القرطبي : ولا خلاف في أن المراد بالآية: التجارة .
والأولى عند جماهير المفسّرين حمل الكلمة على الأمرين، أي المنافع الدينية والدنيوية معاً، وروي ذلك عن ابن عباس، فقد أخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال في الآية: منافع في الدنيا ومنافع في الآخرة، فأما منافع الآخرة فرضوان اللّٰه تعالى، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من لحوم البُدْن (الإبل والبقر ونحوهما) في ذلك اليوم، والذبائح والتجارات. وخصّ مجاهد منافع الدنيا بالتجارة، فهي جائزة للحاج من غير كراهة، إذا لم تكن هي المقصودة من السفر. وهذا مستبعد؛ لأن نداءهم ودعوتهم لذلك غير مقصود في العبادة، بحسب العادة التشريعية.
والتعميم يشمل أربعة أمور: هي شهود (أي حضور) المناسك، كعرفات والمشعر الحرام، والمغفرة، والتجارة، والأموال، والمعنى: ليحضروا منافع لهم، أي ما يرضي اللّٰه - تعالى - من أمر الدنيا والآخرة، فتتحقق بالحجّ منافع الدنيا والآخرة، وما أكثرها وأجداها لكل مؤمن.
وأُرجح القول بالعموم؛ عملاً بالمعهود من كثرة أفضال اللّٰه وعوائده الحسنى على الناس؛ ولأن مقتضى الترغيب والتحريض على أداء الحجّ يناسب ذلك، ولا داعي للتضييق وتحجير الواسع، فإن سعة رحمة اللّٰه شملت كلّ شيء. قال ابن العربي: والدليل عليه عموم قوله: «منافع» فكل ذلك يشتمل عليه هذا القول. وهذا يعضده تفسير قوله - تعالى -: «ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم» وذلك هو التجارة بإجماع من العلماء. فيكون القصد من المنافع - إذن - منافع الدنيا والآخرة:
المنافع الدنيوية:
هي التي تكون سبباً لتقدم الحياة الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية والعادات كلها.
فيكون الحجّ والعمرة مدرسة عملية تدريبية على تحقيق المساواة التامة بين الناس في مظهرهم وحقوقهم وواجباتهم، فلا يتميز غني بغناه، ولا يعرف فقير بفقره، ولا حاكم بعزّته وسلطانه، ولا متنفذ ذو جاه بنفوذه وجاهه، ولا متفوق في أي شيء بتفوقه وتميزه فكراً وعملاً واختراعاً وتطبيقاً. الكل يضرعون إلى اللّٰه، ويتجهون إلىٰ عزّته، والطمع بعفوه ومغفرته، والجميع يتساوون في أداء المناسك والشعائر في الوقوف بعرفات، والمشعر الحرام، ورمي الجمار، والطواف حول الكعبة المشرفة، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير.
وبعد أداء المناسك يتذاكر الحجاج الآراء في تبادل خيراتهم ومنتجاتهم وثرواتهم، فينتفع الكل فرداً وجماعة، ويعقدون الصفقات أو يصدرون الوعود، وتتم المكاتبات ومعرفة العناوين لإكمال ما تمت المفاوضة حوله.
وفي أثناء ممارسة تلك الشعائر يتعاطف الناس، ويتعلمون كيفية التخلص من داء الشح والبخل، فتسخو الأيدي، ويكثر العطاء والبذل، ويزداد الإنفاق في سبيل اللّٰه، وتراق الدماء من الأضاحي والقربات، ويعم الخير