156كانت منازل بني عائذ تبتدئ من صحن المسجد فيما يوازي ركن الكعبة اليماني، ممتدة غرباً إلى ما يحاذي بئر زمزم، ثم تصعد في الشرق نحو باب عليّ. وكانت دور بعض كبارهم شارعة على مكان المسعى، على يسار القادم من الصفا يريد المروة، أي فيما يحاذي باب علي اليوم تقريباً. وكانت منازل عدي بن كعب تبتدئ من صحن المسجد متوجهة إلى الصفا من ناحية، وإلى أجياد من ناحية أخرى قبل أن ينقلوا إلى أسفل مكّة.
وفي الطريق الذي يبدأ من باب الصفا متوجهاً جنوباً إلى باب أجياد كانت سقيفة لبني عائذة، وسوق للبزازين «القماشين» وبالقرب من ذلك كان البيت الذي اتخذه النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم لتجارته قبل البعثة مع شريكه السايب بن السايب.
وإذا انتهيت إلى باب أجياد، ووقفت حيث تكون القبلة في ظهرك، ومداخل أجياد في وجهك امتد أمامك شعبان:
أحدهما عن يمينك إلى ما نسميه - اليوم - بئر بليلة، وكانوا يسمونه أجياد الكبير، وامتد الشعب الثاني على يسارك إلى ما نسميه - اليوم - السد، وكانوا يسمونه أجياد الصغير، ولست أعني بالامتداد ما يتبادر إلى ذهنك من نفاد الجادة واستقامتها بامتداد الشعوب، فقد كان العمران يتخلل الجادة ويعرقل استقامتها. . . وكان بنو تميم ينزلون حوالي باب أجياد، وتمتد بيوتهم من جهة الغرب إلى قبيل حدود المسجد يومها، وهي حدود صحن الكعبة اليوم، وكان بنو مخزوم ينزلون في فوهة أجياد الكبير مكان الرواق الجديد اليوم. . . . وكان جماعة من الأزد ينزلون خلف ذلك مما يتصل بمكان الصحة العامة، وخلفها كان منزل أبي جهل بن هشام لا يبعد عن ذلك كثيراً، وفي أجياد الصغير إلى الجادة المتصلة بالسد كانت منازل لآل عدي بن عبد شمس، وفي أجياد مكان للحواتين، ودار لعبد اللّٰه بن جدعان التي كان فيها حلف الفضول الذي تعاقدت فيه القبائل متفقة بأن لا يقرّ في مكة ظالم. وفيها دور لآل سلمة ابن هشام، وفيها بئر يجمع بين أجيادين احتفرها آل سلمة مع جماعة من جيرانهم، وكان يردها السكان في فوهة الشعب باجيادين، وأكاد اعتقد أنها البئر الموجودة اليوم قبيل عمارة المستشفى؛ لأنها تجمع بين طرفي أجيادين.
واذا تركت أجيادين، ماضياً في الشارع العام إلى الجنوب نحو المسفلة، بدأت بسوق الحزورة بجوار باب الوداع، ورأيت الدروب تمضي على يمينك إلى قرب المسجد عند حدود المطاف ومن أشهرها درب الحناطين، واعتقد أنه كان سوقاً للحنطة، فالحائط في اللغة هو كثير الحنطة، وموقع هذا الدرب صالح لبيع منتجات الجنوب من الحنطة في مكة، وفي هذه الجهة كانت تنزل بطن من آل صيفي، وفيها دور لآل عبد الدار، وأخرى لجماعة لبني اسد بن عبد العزى.
ولعلنا إلى هذا الحد استطعنا أن نرسم خطوطاً تقريبية لمكة في الجاهلية، ولا يفوتنا - في أذيال هذا البحث - أن نشير الى الضواحي التي كان يحلو للمكيين أن ينتجعوها في الأصائل من شهور القيظ، وهي عادة ترىٰ آثراها إلى اليوم في المتنزهين من أبناء مكة في أطراف الضواحي، وكأنما هم يمثلون بذلك عادة عرفها أجدادهم من نحو (1500) سنة تقريباً. ومن أشهر متنزهات مكة في الجاهلية 1الليط. . . والليط في رأي بعض المؤرخين 2هو أسفل مكة فيما يقرب من بركة ماجل متنزهاً في مكة اليوم، ويقول الأستاذ رشدي الصالح ملحس في حاشيته على تاريخ الأزرقي: إنه يرجح أن يكون خلف القشلاق العسكري، أي فيما يلي جرول الخلفية، ولست بالذي يستبعد صحة القولين، وكأن الوادي بعد بركة ماجل يتصل بالجادة التي تنتهي خلف القشلاق، فلِمَ لا يكون الليط عبارة عن امتداد من جرول الخلفية إلى أطراف المسفلة؟ وكانت في الليط أُقحوانة 3يجلس أهل مكة حولها في العشي، يلبسون الثياب المحمرة