14
« ليشهدوا منافع لهم»
وهبة الزحيلي
الإسلام وشرائعه خير كلّه، ورحمة كلّه، ومصلحة كلّه، وفضل ونعمة مسداة كلّه، مَن دان به رشد، ومَن عمل به سعد، ومَن التزمه فاز ونجا، ومَن أعرض عنه أو انحرف زاغ وضلّ، وتاه وشذّ.
وكلّ شيء في هذا الإسلام العظيم من عقيدة قائمة على التوحيد الخالص، والتنزيه المطلق للّٰه. وعبادة تصقل النفوس، وتهذب الطبائع، وتربي القلب، وتصحح الفكر، وتصلح الفرد والمجتمع. ومعاملة قائمة على الحقّ، والعدل والميزان، والاستقرار. وأخلاق وفضائل تقوِّم الاعوجاج، وتلجم الأهواء والشهوات، وتنمي عواطف الحبّ والودّ والخير والسلام، وتحقق الاستقامة والرشد، وراحة النفس والضمير، وسلامة الأمة والجماعة. . . كل هذه العقائد والعبادات، والأخلاق والمعاملات، ذات غايات سامية ومقاصد عالية، هدفها تهذيب النفس الإنسانية، وتربية الإنسان تربية قويمة صحيحة، توفّر على العلماء والدولة والمعلمين ثروات كبرى، لا تحتاج إلا إلىٰ شيءٍ من التذكير والبيان، والتبسيط في تحديد الأهداف والسمات المميزة لها.
وهذا واضح كل الوضوح، ففي جانب العبادات المفروضة في الإسلام - من صلاة وزكاة وصيام وحجّ على سبيل المثال - حصر دقيق لغاياتها في القرآن، يدور حول التقويم والتهذيب والتربية والإصلاح، وأكتفي بإيراد آية كريمة في كلّ منها عدا الحجّ:
ففي قوله تعالى عن الصّلاة: «. . إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. .» 1بيان الغاية التربوية منها.
وفي قوله سبحانه عن الزكاة: «خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكيهم بها» 2إرشاد لجانب التطهير وتزكية النفوس وتخليصها من آفات البخل والشح، وإنقاذ المستضعفين من الفقراء والمساكين من ذلِّ الحاجة والضعف والعوز.
وفي قوله - عزّ وجلّ - عن صيام شهر رمضان: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم، لعلكم تتقون» 3بيان صريح لثمرة الصوم وفائدته العظمى، وهي إعداد النفس لتقوى اللّٰه، بترك الشهوات