119الغرض من هذا اظهار عظمة الجيش، وقوة العسكر بهذه النار التي ترى من بعيد، حتى تأخذهم الدهشة ولا يفكرون إلا بحماية أنفسهم إما بالإسلام أو بالهروب من المواجهة، ويكون بهذا قد حقّق الفتح الهادئ الذي يحافظ فيه على شرف الكعبة.
وهناك التحق به عمّه العباس، الذي كان بقاؤه بمكة بأمر النبيّ حيث كان يقدم المعلومات عن قريش، ومظاهرها العسكرية وقوتها الاقتصادية، وما كانت تكيد وتدبر لحرب الرسول صلى الله عليه و آله و سلم.
ولما رأى العباس عظمة هذا الجيش الفاتح وقوته تأكّد لديه أن الجيش إذا دخل بهذه القوة والعنجهية ستذهب قريش والى الأبد. فكان يحاول أن يساعد النبي صلى الله عليه و آله و سلم على الفتح الهادئ حتى لا تراق في هذا الفتح محجمة دم.
وبينما هو غارق في التفكير لاح بخاطره أن يجول على أطراف المعسكر، لعلّه يرى آتياً أو ذاهباً، يمكنه أن يوصل خبراً لقيادة قريش حتى تأتي وتستأمن لدمها وأموالها، فتحفظ قريش ويحفظ الحرم.
وبينا هو كذلك إذا بأبي سفيان ومعه نفر جاءوا يستمعون الأخبار، وقد أذهلهم ما رأوا من نيران حتى أن بعضهم قال: هذه نار خزاعة، قال أبو سفيان: خزاعة أقل وأذل. وينادي العباس أبا حنظلة! فيجيبه أبو سفيان فداك أبي وأمي بعدما عرفه، وهو مندهش من هول ما رأى عدةً وعدداً، ثم خاطبه ما ترى في أمرنا؟ قال: الإسلام - التحق بي حتى لا يقتلك الناس، وأردفه خلفه مؤمناً له مانعاً قتله حتى وصل إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم، وعرض عليه الاسلام، ولكنه كان صلب الشكيمة، شديد السخيمة يعزّ عليه فقدان اللّات والعزى والهبل الأعلى، وقد حاول عمر بن الخطاب قتله عن طريق إثارة النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم، وأن اللّٰه قد أمكن منه بلا عهد ولا عقد، ولكن العباس الحريص على الإسلام رأى الحكمة في بقائه، ليرى عزّة الإسلام، وشرف النبي المطرود، وذلة قريش وصغار أبي سفيان، وطلب من أبي سفيان أن يسلم فتمهل، ولكن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم قال لعمّه العباس: أبقه عندك الليلةَ، وآتني به صباحاً.
وفي الصباح أسلم بعد محاورة قصيرة، وقال العباس للنبي: إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً، فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم في معرض توصياته لرؤساء الجند وقادة الكتائب: مَن ألقى سلاحه فهو آمن، ومَن دخل بيتَه وأغلق بابه فهو آمن، ومَن دخل الكعبة فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. وكان الغرض من ذلك أن يذهب أبو سفيان، ويخذل الناس عن الحرب ويجلس في بيته، لأنه رجل له قوة تحريضية هائلة على اثارة البلابل، فاسكته النبيّ بهذه المكانة المتساوية مع رجل أغلق بابه، ولا شيء غير ذلك.
وفرح أبو سفيان بهذه الرتبة الجديدة والشرف، وذهب مسرعاً إلى مكة يطلب إلى الناس أن يدخلوا داره، وهو لا يعنيه من الشعارات إلا أمان داره، وهو قادر على تجير الجو لصالحه، فصار يدعو الىٰ داره فقط ليوهم الناس أنه وحده قد حظي بهذا الشرف، وهذا ما جعل الآخرين إما يلتزمون بيوتهم، أو يهربون إلى الجبال المحيطة بمكة.
ويزحف الجيش الإسلامي المقدام، ويدخل مكّة من طرق أربعة يطوقها من كلّ مكان حتى لا يفكر أحد في إراقة دم في بيت اللّٰه الحرام، وفي البلد الحرام.
وذكروا أن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم كان داخلاً وقلبه خاشع للّٰهعلى هذا التوفيق، ولسانه يردّد «إذا جاء نصر اللّٰه والفتح