118التعرض لها من جانب، والسؤال عما لا يعنيه من جانب آخر، كما أنكرت عليه هذه التهمة الشنيعة، مما جعل الزبير يتردّد أولاً، ثم يعود الىٰ عليّ يُقنعه بأنه ليس عندها شيء، بعدما بكت المرأة لهذا التعرض والإهانة، وبدأت دموع التماسيح على خديها، وأوشك قلب الزبير أن يرقّ لها فارتد نحو عليّ يقول: لَم أرَ معها كتاباً يا أبا الحسن، ولم يلتفت الزبير الىٰ لازم قوله هذا، الذي يعني تكذيب الوحي، وتكذيب الرسول صلى الله عليه و آله و سلم وما كاد عليّ يسمع هذا القول من الزبير حتى غضب وصاح: ويحك يا زبير! يخبرني رسولُ اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم بأنها تحمل كتاباً، ويأمرني بأخذه منها، ونأتي لذلك ثم تقول أنت: إنه لا يوجد معها كتاب!
وتظهر قدرة علي عليه السلام وفراسته، وتصديقه المطلق الذي لا شك فيه، ويظهر ضعف الزبير وأنه غير صالح للقيام بهذا الدور إلا برفقة علي عليه السلام. ولم يلبث عليّ عليه السلام أن اخترط السيف، وتقدم من المرأة قائلاً وعيناه تقدحان شرراً قائلاً لها:
أَما واللّٰه، لتخرجن الكتاب، أو لنكشفنك، ثم لاضربن عنقك بسيفي هذا، وحاولت المرأة أن تراوغ كما راوغت مع الزبير، ولكنها رأت عناداً واصراراً، مما جعلها تتأكد بأن الرجل متأكد من وجود الكتاب الذي تحمله، وأنها إن لم ترضخ للطلب سوف تنال عقابها المناسب، وقد يكون هو الموت، وإزاء هذا التخوف على حياتها قالت له: أعرض بوجهك عني، وأشاح علي بوجهه عن المرأة الماكرة فاذا بها تحل ضفائرها، وتخرج منها الكتاب، ثم تدفعه الىٰ عليّ، فيأخذه عليٌّ عليه السلام دون أن يقول لها شيئاً، ثم يأتي الزبير معه الىٰ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم يسلمانه الكتاب 1.
أرأيت معي - أيها القارئ - موقف الزبير الذي يعني أنه لو اقتنع بكلام المرأة لكذب رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم الذي لا ينطق عن الهوى، ولكان يعني أن تفشى الأسرار العسكرية الىٰ الأعداء فيعرفون خطط الهجوم فيفشل.
ولكن اليقين الثابت في صدر علي بصدق رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم هو الذي جعله يقف موقفاً مميزاً وحاداً، وأنه غير مستعد لسماع كلامها، وقبول أي موقف آخر منها؛ لأنه على يقين بأن الكتاب معها. أخبره بذلك من لا ينطق إلا عن وحي يوحي به إلٰه السماء والأرض، والمطلع على خفايا الأمور وظواهرها.
وعليّ هو الحريص كلّ الحرص أن يبقى للجيش الفاتح هيبته حينما يباغت الآخرين، ويغزوهم في عقر دارهم لتنهى معركة الفتح دون إراقة دماء. وهيهات هيهات أنى لنا بمثل عليّ وهو النسخة الفريدة والشخصية الوحيدة في عالم اليقين والصدق والاخلاص.
الدور الثالث:
بعدما عثر الإمام علي عليه السلام على الكتاب مع المرأة التي لا تعرف من مضمونه شيئاً، أعمى الأمر على قريش، فلم تعرف شيئاً عن استعداد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم لفتح مكة، وكان النبي صلى الله عليه و آله و سلم قد دعا ربّه أن يعمي أخبار جيشه عن قريش حتى يباغتها كي لا تقع معركة طاحنة في مكة. فالنبي صلى الله عليه و آله و سلم يريد الحفاظ على شرف الحرم، وإن كان أهله يستحقون الذبح، لمعاداتهم الشديدة لرسول الهداية، ولكنه محمدٌ رسولُ الإنسانية، المحافظ على القيم. فقد هيأ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم كلّ مقدمات المعركة، وأمر الجيوش بالزحف الهادئ، واستمر حتى وصل الىٰ مر الظهران - وقيل إنه بالجحفة - وهناك أمر الجيش بالنزول، وكان الوقت عشياً فطلب من الناس أن يوقدوا النار، كلّ واحد يشعل ناراً، وكان