66أقول: إنّ الأحاديث المتقدّمة التي ذكرت أنّ عُرَنَة ليست من عرفات، قد شخّصت منذ قديم الزمان بأعلام تفصل بين عَرَفَة ووادي عُرَنَة، وبهذا التحديد وبيان المصداق تخلّصنا من مشكلة التعيين التي لابدّ فيها من الرجوع إلي أهل الخبرة التي يضعف الاعتماد عليها كلّما تمادي الزمان.
إشكال في تعيين صُغري عَرَفات:
قلنا فيما تقدّم إنّ الروايات التي ذكرت بأنّ عُرَنَة ليست من عرفات قد شخّصها المتقدّمون علينا بزمنٍ ليس بالقليل، فقد ارتفع إشكال تحديد معني عرفات من ناحية المصداق، ولكن مع هذا بَقيّ إشكالٌ واحد هو: إذا كانت عُرَنَة هي وادي بين عرفات والحرم عرضاً، فينبغي أن يكون بانتهاء الوادي العرضي موقف عرفات، ولكنّنا نري الآن بين العَلَمَين الذين وضَعَهُما ملك إربل في عام (605) وبين مجري وادي عُرَنَة مسافة لا يقلّ عرضها عن مئة متر وهي مرتفعة عن وادي عُرَنَة، فكيف لا تكون داخلة في موقف عرفة؟
الجواب:
أنّه لا بدّ من الرجوع فيه إلي أهل الخبرة، فقد ذكروا أنّ مجري وادي عُرَنَة آنذاك هو بداية وضع الأعلام، ولكن بما أنّ سهول عَرَفَة كلّها رمالٌ تنتقل فقد تراكمت الرمال في هذا الجانب من الوادي، وقد ذكر القاطنون في تلك الأماكن بأنّ سيل الوادي قد يشتد في بعض الأحيان فيعلو علي هذه الأتربة ويُزيلها (19) . وعلي هذا فيبقي أنّ حدّ عَرَفَة هو ما أثبت بواسطة الأعلام منذ قديم الزمان وأنّ الأحكام الشرعيّة لا تتبدّل ولا تتغيّر بتراكم الأتربة في أحد جانبيَ الوادي.
3- ثَويَّة:
- بفتح الثاء وتشديد الياء - لقد ذكر الطريحي في مجمع البحرَين قول: "والثويّة: حدٌّ من حدود عَرَفَة، وفي الحديث: ليست منها".
وقد ذكر في كتاب المجاز بين اليمامة والحجاز ما نصّه: "عرفات: إذا ترك الطريق ثنية (الجلُيلة) خلفه ووادي نعمان يساره، دلف إلي منطقة عرفات مارّاً بجنوبيّها غربيّها" (20) .
وقاال البلادي في (معجم معالم الحجاز) معرّفاً الجلُيلة - وهي بالتصغير وتشديد الياء المثنّاة - شِعب يسيل من جبل ملحة فيصبّ في عرفة من الجنوب الشرقي مجتمعاً مع الأحموم، في رأسه ريع (يعني ثنية) بهذا الاسم يطلعك من عرفة علي نعمان" (21) .
وقد ذكر محقّق كتاب هداية الناسكين هذا الاستنتاج: "وهذا يعني انّ هذه الثنية أو الريع حد من حدود عَرَفَة، وعليه فمن المظنون قويّاً أنّ كلمة (ثنية) دخلها تحريف النسخ فعادت ثَويَّة" (22) .
أقول: إذا كانت ثويّة أو تثنية هي حدّ عَرَفَة من ناحية الجنوب الغربي، فإنّ جنوب عَرَفَة جبالٌ ممتدّةٌ من المشرق إلي الجنوب، وقد اخترق فيها قبل فترة طريقٌ للسيّارات الذاهبة إلي الطائف، فما