150
دور الحجّ في ترسيخ السّلام في العلاقات الاجتماعيّة
تأليف: محمّد مهدي الآصفي
أو لَم يَروا أنا جعلنا حرماً آمناً (1)
من مهام الحج تحقيق السلام في العلاقات الاجتماعية، وتوفير فرصة نموذجية للسلام في العلاقات فيما بين الناس، في فترة الإِحرام في الحج، وتوفير رقعة نموذجية من الأرض؛ لتمكين السلام في العلاقات الاجتماعية هي رقعة الحرم.
ولكي نعرف موقع السلام في هذه الرحلة، لا بد من أن نستعرض المراحل الأساسية فيها بإيجاز شديد، بالقدر الذي نستطيع أن نتعرف فيه علي مواقع السلام في هذه الرحلة الإِلهية.
الحج رحلة الأنا والذات إلي الله علي الطريقة الإِبراهيمية أو اختزال لهذه الرحلة الشاقة التي قطعها من قبل أبونا إبراهيم (عليه السلام) ، علي الطريقة الرمزية التي تعتمدها فريضة الحج بصورة واضحة.
هذه الرحلة تبدأ مهمتها من الميقات، وتنتهي بطواف النساء وطواف الوداع والآن نشير بإجمال إلي الأشواط الرئيسة التي يقطعها الحاج في هذه المرحلة من الأنا إلي الله تعالي.
1- التحرر من الأنا:
تبدأ هذه الرحلة في الميقات بتجاوز الذات والأنا، ومحاولة صهر الذات والأنا في المسيرة الإِيمانية إلي الله تعالي، وهذه هي المرحلة الأولي في هذه الرحلة الإِلهية.
وتصبّ هذه الذوات - بعد انسلاخها عن الأنا، ومختصات هذا الأنا - في الحشد البشري الكبير، في الطواف حول البيت، كما تصب السواقي والأنهر الصغيرة في البحر الكبير، فلا تستطيع أن تميز - بعد ذلك - أين هي مياه هذه السواقي من البحر الكبير، وهي رحلة شاقة وذات معاني كبيرة في حياة الإِنسان، تستحق منا الكثير من التأمل والتفكير.
تبدأ هذه الرحلة من الميقات، حيث يتجرّد الإِنسان فيه من ذاته وأهوائه، وخصائصه التي تفرزه عن الآخرين وتفرده. . وتحجزه عن الانصهار في المسيرة الإلهية الحاشدة، التي لا يتمايز فيها الأفراد، ولا يحجز بعضهم عن البعض شيءٌ من هذه النوازع، والفوارز التي تفصل الناس بعضهم عن بعض. .
إنّ الميقات حدّ فاصل، بين الأنا وبين الجماعة المؤمنة. فقبل أن يدخل الحاج الميقات يعيش كما يعيش سائرُ الناس الأنا تمييزاً وتشخيصاً. وللأنا تظاهر وبروز في حياتهم، وللأنا سماته معالمه الواضحة. فإذا دخل الميقات تضاءل الأنا وخف صراخه وصوته وفقد معالمه ومميزاته، وفقد لونه وصبغته الصارخة، وهذا الانقلاب في الشخصية والموقع يتمّ في الميقات. ويرمز إلي هذا الانقلاب (لباس الإِحرام) .