42الحقّ، ولا برح المحقّ عدوّاً لأكثر الخلق، وقد صحّ عن أبي هريرة أنّه قال، في ذلك العصر الأوّل: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وآله، وعاءين، أمّا أحدهما فبثثته في الناس، وأمّا الآخر فلو أبثّه لقطع هذا البلعوم.
قلت: إنّ هذا ليس أمراً بديعاً، فقد عمل به أربعة وعشرون محدِّثاً في مقابل السلطان الجائر المسلم، أعني: المأمون، وقد نقل تفصيل القصة الطبري في تاريخه، قال: جاءت رسالة المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم فأحضر لفيفاً من المحدِّثين والذين يربو عددهم على ستة وعشرين محدّثاً فقرأ عليهم رسالة المأمون مرتين حتّى فهموها، ثم سأل كلّ واحد منهم عن رأيه في خلق القرآن، وقد كانت عقيدة المحدّثين بأنّ القرآن غير مخلوق أو غير حادث، فلمّا شعروا بالخطر وقرئت عليهم رسالة المأمون ثانياً وأمره بالتضييق عليهم وأن توثق أيديهم ويرسلوا إليه، أجاب القوم الممتنعون كلّهم وقالوا بخلق القرآن إلاّ أربعة منهم: أحمد بن حنبل، وسجّادة، والقواريري، ومحمد بن نوح; فلمّا كان من الغد أظهر سجّادة الموافقة، وقال بأنّ القرآن مخلوق وخلّي سبيله، ثم تبعه بعد غد القواريري وقال بأن القرآن مخلوق، فخلّي سبيله، وبقي أحمد بن حنبل ومحمّد بن نوح، وللقصة تكملة ذكرناها بتفاصيلها في كتابنا «بحوث في الملل والنحل» ، فلاحظ.
** *
4. تكفير الصحابة
سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ . إنّ تكفير الصحابة من الافتراءات الّتي تشهد الضرورة ببطلانها، كيف؟ وثمّة طائفة من الصحابة هم من رواد التشيّع، ثم كيف؟ وهذا إمامهم (الّذي يقتدون به ويقتفون أثره) ، بل إمام المسلمين عامّة، أعني: علي بن أبي طالب عليه السلام يقول في حق الصحابة:
«أَيْنَ إِخْوَانِي الَّذِينَ رَكِبُوا الطَّرِيقَ، وَ مَضَوْا عَلَى الْحَقِّ؟ أَيْنَ عَمَّارٌ؟ وَأَيْنَ ابْنُ التَّيِّهَانِ؟ وَأَيْنَ ذُوالشَّهَادَتَيْنِ؟ وَأَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى الْمَنِيَّةِ، وَأُبْرِدَ بِرُؤُوسِهِمْ إِلَى الْفَجَرَةِ!