38إذا عرفت هذين الصنفين من الروايات، فاعلم أنّ الجميع يهدف إلى أمر واحد وهو أنّ الدخول في الإسلام والتظلّل تحت مظلّته ليس بأمر عسير بل سهل جداً، وليس في الإسلام ما هو معقّد في المعارف، ولا معسور في الأحكام، وشتّان بين بساطة العقيدة فيه، والتعقيد الموجود في المسيحية من القول بالتثليث وفي الوقت نفسه من الاعتقاد بكونه سبحانه إلهاً واحداً.
وأمّا الاختلاف بين الصنفين فيمكن رفع ذلك بوجهين:
الأوّل: أنّ موقف الصنف الأوّل غير موقف الصنف الثاني، فالأوّل بصدد بيان ما تُصان به الدماء وتحلّ به الذبائح، وتجوز به المناكحة، فيكفي في ذلك الإقرار بالشهادتين المعربتين عن التصديق بهما قلباً. وأمّا الثاني فهو بصدد بيان ما ينجي الإنسان من عذاب الآخرة وهو رهن العمل بالأحكام، وقد ذكرنا نماذج منه، لتكون إشارة إلى غيرها.
الثاني: أنّ ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله، ينقسم إلى ضروري يعلم من غير نظر واستدلال ويعرفه كلّ مَن ورد حظيرته، كوجوب الصلاة والزكاة وصوم رمضان; وإلى غير ضروري يقف عليه مَن عمّر في الإسلام وعاش بين المسلمين وخالط العلماء والوعاظ، أو نظر في الكتاب والسنّة، فإنّ إنكار القسم الأوّل إنكار لنفس الرسالة، بحيث لا يمكن الجمع - في نظر العرف - بين الشهادة على الرسالة وإنكار وجوب الصلاة والزكاة، ولأجل ذلك لا يعذر فيه ادّعاء الجهل عند الإنكار إلاّ إذا دلّت القرائن على جهل المنكر بأنّه ضروريّ، كما إذا كان جديد عهد بالإسلام. وعلى هذا لا منافاة بين الصنفين، فلعلّ عدم ذكرها في الصنف الأوّل للاستغناء عنها بالاعتراف بالرسالة الّذي لا ينفكّ عن الاعتراف بها.
وبذلك يظهر: أنّ المسائل الفرعية والأُصولية الكلامية وإن كانت من صميم الإسلام، لكن لايجب الإذعان القلبي بها تفصيلاً، بل يكفي الإيمان بها إجمالاً حسب ما جاء به النبي، فيكفي في الإيمان الإذعان بأنّ القرآن نزل من الله، من دون لزوم عقد القلب بقِدَمِه أو حدوثه، وأنّ الله عالم وقادر من دون لزوم تبيين موقع الصفات، وأنّها عين الذات أو زائدة عليها، وقس على ذلك جميع المسائل الكلامية والفقهية إلاّ ما خرج بالدليل.
المرونة في قبول الإسلام
إذا عرفت هذه السنن والكلمات، فاعلم أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، كان يقبل إسلام كلّ إنسان يُقرّ ب- (لا إله إلاّ الله) و (محمد رسول الله) .