198كان الوهابيون يقلبون الجزيرة العربية رأساً على عقب، وعندما كان نابليون يعسكر قرب الاهرامات؟ وهل كان قصده من البقاء جمع المعلومات بالنسبة للحركة الإسلامية الجديدة، حتّىٰ يساعد نابليون في تقرير خططه للمستقبل بالنسبة للشرق الأوسط؟ أم هل كانت مهمّته مراقبة شواطئ البحر الأحمر لمصلحة السفن الفرنسية، التي كانت پاريس تأمل في إرسالها؛ لتخوض مياه ذلك البحر في المستقبل القريب؟ وهل يعلم أحد حق اليقين عمّا إذا كان هذا الرجل مسلماً حقيقياً أم مسيحياً حقيقيّاً؟ (40) 
  وعن التساؤل الأخير، فإنّ من المؤكّد أنّ الرجل ليس مسلماً قط، أمّا مسيحيته فهي موضع تساؤل، خلافاً لما هو ثابت عن ديانته اليهودية، ولعلّه كان ماسونياً. وما يدعونا إلى هذا هو ما كان يبديه من شعور بالحماس العام بالنسبة لجميع الأديان، وهذه النقطة بالذات إحدى أبرز مرتكزات الادعاءات الماسونية، التي كانت مزدهرة جدّاً في فرنسا، ومنذ انتصار الثورة الفرنسية، وخاصّة في عهد نابليون بونابرت، الذي كان أحد صنائع الماسونية وضحاياها في آن معاً! 
  وعلي بك هذا. . كان رسول بونابرت إلى البلاد العربية، كما يقول أمين الريحاني (41) ، وكان عمله التجسّس لصالح فرنسا من الاُمور المحسومة، ولقد اعترف هو نفسه، في مقدّمة كتابه، بأنّه يعمل لصالح البلد الذي يستقرّ فيه في نهاية الأمر! 
  ومهما كانت الحقيقة بالنسبة لهذا الرجل الغامض، إلّاأنّه كان أوّل رجل غربي يلبس الثياب العربية ويتكلّم اللغة العربية، ويتّخذ لنفسه مظهر وأخلاق العرب بمحض إرادته. وهكذا أصبح الرائد والمعلِّم لكثير من الأوروپيين الذين حاولوا، في القرنين التاليين، سلوك الخطة والطريقة نفسها. وهناك من يظن أنّ هذا العمل ما هو إلّامجرّد تمويه أو إجراء احتياطي، ولكنّ الآخرين يعتقدون أنّ هذا هو ردّ الفعل الطبيعي، نظراً للأساليب السائدة في محيطهم الموقت. ولكن هنالك من