197التنافس الشديد بين الدولتين الاستعماريتين، للاستحواذ على مناطق النفوذ في الشرق الإسلامي. وفي أثناء عودته إلى المنطقة، غادر علي بك دمشق عام 1818م، متّجهاً لزيارة مكة للمرّة الثانية. وفي هذه الرحلة عاش كعربي بين أهله العرب وكحاج بين الحجّاج. ولكنّه توفي، بعد قطعه حوالى مائة ميل في طريقه إلى مكّة (36) وذلك في آب (اغسطس) من تلك السنة. وتقول التقارير البريطانية: إنّ وفاته كانت بسبب مرض «الديزنتاريا» . لكن التقارير الفرنسية تؤكّد بأنّه قتل مسموماً من قبل البريطانيين (37) .
ولأن الغموض يكتنف موته، فقد دار جدل كبير حول هذا الأمر بين الانگليز والفرنسيين منذ القرن التاسع عشر (38) ، فهل كان سبب موته إصابته بمرض الزحار (الديزنتاريا) حسب الرواية البريطانية؟ أم هل حدث أن لاحظ أحد الحجّاج الذين يلمّحون بعدّة لغات أنّ هذا الرجل متنكّر يُخفي حقيقته؟ أم أنّ علي بك قد مات مسموماً على يد أحد رجال المخابرات البريطانية، وذلك حسب الإشاعة التي انتشرت بعد موته، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا حدث هذا الاغتيال، بعد انتهاء الحرب بثلاث سنوات؟
الرجل الغامض
وعلى كلّ حال، فها قد سقط علي بك هناك، ولم ينفعه علمه ولا قوّة شخصيته التهكّمية.
وقيل: انّهم وجدوا صليباً بين ثيابه. أمّا كتابه الذي نُشر، قبل أربع سنوات من وفاته، والآراء المتناقضة التي تناقلها الناس حول شخصه وأخلاقه ونواياه ومعتقداته، فقد ظلّتحيّة بعده تحكي لنا كلّ شيء عن تلك الشخصية الغامضة (39) .
ومع ذلك، فإنّ علي بك يبقى سرّاً من الأسرار، على حدّ تعبير الباحث البريطاني «بيتر برينث» الذي راح يتساءل: ماذا كان يفعل في بلاد العرب، عندما