194ويشير علي بك إلى أنّ الناس عندما رأوا هذا السيل من الرجال المسلّحين العراة هربوا وأخلوا الشوارع لهم. وهكذا ملأ هؤلاء الشارع تماماً. أما أنا - يقول علي بك - فقد بقيت في مكاني، ثم تسلّقت كومة من القمامة حتى أستطيع الرؤية بشكل أفضل، راقبت مرور جيش مؤلف من خمسة أو ستّة آلاف رجل، وكان أمامهم ثلاثة أو أربعة فرسان يركبون الخيول والجمال وفي أيديهم حراب كالسابقين، ولكنّهم لم يحملوا أعلاماً أو طبولاً أو أيّة إشارة تشير إلى النصر العسكري، وفي أثناء سيرهم أطلق بعضهم أصواتاً تدل على الحماس الديني، وآخرون كانوا يتلون بعض الصلوات بشكل مرتفع كلّ حسب طريقته» (26) .
أما الشريف غالب فقد كان، خلال ذلك، يشاهد الوهابيين من قصره القائم فوق السفح، بعد أن أوعز إلى جنده من العبيد والأتراك بأن لا يغادروا مقرّاتهم، بينما كان هذا المد القادم من البادية يكتسح مكة، وينحسر عنها دون وقوع حادث يُذكر (27) .
وقد أدرك «علي بك» فيما بعد أنّ ذلك الحماس المتوقّد، الذي ظهر لدى الوهابيين، كان بسبب شعورهم بقوّتهم الساحقة. فهو يقول: إنّه لدى نزوله من جبل عرفات استطاع رؤية جيشهم جميعه وهو يقدّر ب (45) ألف مقاتل، جميعهم تقريباً يركبون الجمال، ومعهم حوالى ألف جمل لحمل الماء والخيام وخشب الوقود والتبن والعلف لجمال رُؤسائهم. وكان في مؤخرتهم شرذمة من الجنود يحملون أعلاماً ذات ألوان مختلفة مرفوعة على رماحهم. وهو يستنتج بحق أنّه بعد النظرة الاُولى، ورؤية هذا الحشد من الرجال المسلّحين العراة، الذين ليس لديهم أيّة فكرة عن الحضارة أو المدنية، ويتكلّمون لغة بربرية، هذه النظرة تسبّب الفزع والحذر، ومع ذلك فقد وجد فيهم بعض صفات الفضيلة، فهم لا يسرقون ولا ينهبون بالقوّة أو الحيلة إلّاإذا كانوا على يقين من أنّ ما يستولون عليه يخصّ الأعداء أو الكفّار. وكانوا يدفعون ثمن كلّ ما يشترونه أو أجرة أيّة خدمة تُقدّم لهم