174
الحجّ في الجاهلية
والجاهليون في الجزيرة العربية ونواحيها قدّسوا البيت الحرام والكعبة الشريفة ومنى وعرفات، وطافوا ولبّوا ونحروا ورموا الجمرات وأحرموا، وكان حجّهم يبدأ في اليوم التاسع من شهر ذي الحجّة، وعندما يصل الحجاج إلى عرفة، يرتدون لباساً خاصّاً بالحجّ، قال الجاحظ فيهم:
«كانت سيماء أهل الحرم إذا خرجوا إلى الحلِّ في غير الأشهر الحُرم، أن يتقلّدوا القلائد، ويُعلّقوا عليهم العلائق، فإذا أوذم أحدهم الحج، تزيّا بزيّ الحاج» 1.
وكان الحج الإبراهيمي المحور الأساس في الحج الجاهلي، ولم يحفظ العرب من شريعة إبراهيم عليه السلام شيئاً إلّاالحج في مظاهره، غير أنّهم زادوا فيه وحذفوا منه، وأدخلوا الأصنام في الكعبة الشريفة، حتّى بلغ عددها أكثر من (3000) صنم، على رأسها هُبل واللات والعزىٰ ومناة. . . «. . وهم بعدُ يعظّمون الكعبة ومكّة، ويحجّون ويعتمرون، على إرث إبراهيم وإسماعيل عليهم السلام. .» 2.
«ومنهم علىٰ ذلك من بقايا عهد إبراهيم وإسماعيل يتنسّكون بها: من تعظيم البيت، والطواف به، والحج، والعُمرة، والوقوف على عرفة ومزدلفة، وإهداء البُدن، والإهلال بالحج والعُمرة، مع إدخالهم فيه ما ليس منه» 3.
وذكر القرآن الكريم حجّهم وأعمالهم عند بيت اللّٰه الحرام، بأنّها مزيج من الشرك والتفاخر والتجارة والهرج والمرج، قال تعالى: وما كان صلاتُهم عند البيت إلّامُكاءً وتصدية 4ويتنسّكون عنده مناسك يسمّونها اليوم أعياداً وموالد كشأن الجاهلية الاُولى، وكلّ ذلك لا يصيب به تشريع اللّٰه. . إلّامن حمله الهوى أو الجهل أن يركب رأسه فيقول، بغير علم ولا بيّنة. .» 5. وقد عبّر عنهم القرآن الكريم بقوله تعالى:
إن يتّبعون إلّاالظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربّهم الهدى أم