119أجدر بك أن تُبقي علىٰ وعيك؟ . .» فأجبته: «لم يصنع الحكماء شيئاً يُذهب بهمِّ الدنيا غير هذا» . فقال: «لا راحة في اللاوعي، والحكيم لا يهدي الناس الىٰ ما يُذهب بعقولهم، عليك بطلب ما يزيد في عقلك وفهمك» . فأجبته: «وأنّىٰ لي بهذا؟» قال: «من جدّ وجد» ثم أشار الى جهة القبلة ولم يعقّب 1.
بهذا الحُلُم وبهذا الحديث انقطع ناصر خسرو عن ماضيه دفعةً واحدة، وارتبط بمستقبل مشرق، وبُعِث من جديد، وراح يحدث نفسه: «استيقظتُ من حُلُم الأمس، وآن لي أن استيقظ من حُلُم الأربعين سنة كذلك» 2وفعلاً جدّ واجتهد حتىٰ بدّل أعماله وأفعاله كلّها، ووصل إلى الفرج بعد الشدّة.
وعلىٰ هذا الأساس، وضع عنه متعلّقاته، وعزم على السفر الىٰ مكّة المكرّمة برفقة شقيقه الأصغر وبرفقة مملوكه، فوصل إليها عن طريق مصر. وقد حَجّ أربع مرات. وفي الختام أنهىٰ سبع سنوات من السفر ثم عاد أدراجه؛ ليكتب لنا مذكّراته عن هذه الرحلة، ويترك إرثاً يُخلّد ذكره.
حياته:
ولد ناصر عام 394ه. ق في بلدة قباديان بلخ، وتشرّب من علوم ومعارف عصره، وحفظ القرآن، وقرأ الملل والنِحل، وكان له نصيبٌ في تعلّم الرسم، وأحياناً كان يرتزق منه.
في سنوات شبابه، وجد طريقه الىٰ بلاط الأمراء، حيث حضر في بلاطي الأمير محمود والأمير مسعود الغزنوي، وكان حتىٰ سنّ الثالثة والأربعين، يعمل في الديوان وفي التدريس، وفي هذه المرحلة تفجّرت في داخله ثورة معنوية، فعزم على الرحيل الىٰ مصر، وتعرّف على الفاطميين هناك، واعتنق مذهبهم، وأقام هناك ما يقارب ثلاثة أعوام، وعند انتهاء الرحلة، رجع بلقب حجّة إقليم خراسان، وكمبلّغ عنهم.
ومنذ ذلك الحين، كان في اختفاء وهروب دائمين، حتى التجأ مُرغماً إلىٰ يمگان