11وأوّل من شكّ في هذا السبب محمّد عبده شيخ الأزهر، وقال: ليس في نسق السورة ما يشير إلى ذلك، فمن أين للمشركين أن يعلموا فترة الوحي؟ ولكن النبي كان قد اشتاق إلى الوحي بعد أن ذاق حلاوته، وكلّ ذوق يصحبه قلق، وكلّ قلق يشوبه خوف.
وما ذكره شيخ الأزهر حقّ لامرية فيه، لولا ما في آخر كلامه، حيث قال: «وقد جاء في الصحيح: بأنّ النبيّ (ص) حزن لفترة الوحي حزناً كبيراً» ؛ إذ ليس في نسق السورة أيضاً ما يشير إلى حزنه لفترة الوحي كما صرّح به.
والظاهر أنَّ مسألة انقطاع الوحي فرية تاريخية، صنعتها يد الجعل لغايات خاصّة، ولم تكن هناك أيّة فترة، وأنّ المسألة كانت بصورة اُخرى، وهي:
تعلّقت مشيئته سبحانه على نزول الوحي تدريجاً، وفي فترة بعد فترة، حسب المقتضيات والأسباب الموجبة لنزوله أوّلاً، وتثبيتاً لفؤاد النبي (ص) بذلك ثانياً.
قال سبحانه مشيراً إلى الأمر الأوّل: ( وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُ-كْثٍ وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) . 1
وقال سبحانه - مشيراً إلى الأمر الثاني، وأنّ من بواعث نزول الوحي تدريجاً كونه سبباً لتثبيت فؤاده -: ( وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) . 2
فعلى ضوء ذلك، لم يكن هناك إلاّ موضوع طبيعيّ على صعيد الوحي، وهو نزوله تدريجياً لا دفعة واحدة، غير أنّ المشركين الجاهلين بمشيئته سبحانه، وأسرار نزول الوحي تدريجياً، كانوا يترقّبون نزول الوحي عليه دوماً وفي كلّ يوم وساعة، أو نزول مجموع الشريعة دفعة واحدة، كما نزلت التوراة على