36والاختلاف بين المذاهب الإسلامية في أحكام الفروع أمر واضح لايختلف فيه إثنان، فلايكون منع بعضهم من العمل على وفق مذهبهم إلاّ استكباراً عليهم، وازدراءً بمذهبهم، وتوهيناً لفقههم، دع عنك إنّه قديكون مذهب ذاك البعض الممنوع مدعوماً بأدلّة تقوى على غيره، وترجح عند المعارضة بغيرها، فإنّ عامّة الناس إنما وظيفتهم التقليد، ولايقدرون علىالاستدلال في جزئيات المسائل، فإنّ التفصيل وظيفة أهل الخبرة و ليس وظيفة عامّة النّاس.
فقد ترى أنّ بعض المتشبهين بأهل العلم يعارضون المسلمين ممّن لايوافقونهم في الفروع، ويحتجون عليهم ببعض الآيات والنصوص، وليست هذه الآيات والنصوص خافية علىالعلماء الذين خالفوا مذهب هؤلاء في الفقه و الفروع، و لو ذكروا هذه النصوص عندهم لأجيبوا بما يقنعهم، أو لايمكنهم أحياناً إلزامهم بمذهبهم، ولكن لاشأن للمقلّدين من عامّة المسلمين في هذه المسائل، ومعرفة تفصيل الاستدلال فيها ليجوّز معارضتهم بنصوص أو أحاديث.
و حيث انتهى الأمر إلى هذا، فأنا اقترح على ولاة الأمّة و رعاتهم، و علىالمؤتمرات الإسلامية التي يعترف بها المسلمون على شتّى المذاهب أن تجعل هذه المسألة في جدول أعمالهم، ويقررون في ضمن قراراتهم حريّة المسلمين ممّن ينتحلون المذاهب المختلفة في العمل وفق مذاهبهم في الفروع، ولايحق لأحد أن يجبرهم على وفق مذهبه، فإنّه ظلم و زور، ولايستثنى من هذا القرار أيّ بلد من بلاد المسلمين بما فيها الحرمان الشريفان مكّة المكرمة ومدينة الرسول (ص) ؛ فبماذا يحقّ منع المرأة المصريّة وهي مسلمة سوى إنّها لاتعتقد بمذهب ابن حنبل - في أكثر تقدير - منعها عن الحج بحجة انّه ليس لها محرم، و ابن حنبل لايرى وجوب الحج أو جوازه عليها مع أنّ مالكاً والشافعي وغيرهما يعتقدون خلاف ذلك؟ !
و بماذا يحقّ منع المسلمين من شتّى المذاهب غير القليل منهم من التبرّك بضريح النبي (ص) وغيره من قبور الصالحين و الأولياء لمجرّد أنّ بعض المذاهب لايجوّز ذلك؟ !