28النشاطات الاجتماعية؛ وليس غريباً أن نقول: بأنّ المسلمين هم أقل الفئات البشرية انعزالاً، وأقلهم إصابةً بأمراض الاغتراب والعزلة، حيث إنَّ التأكيد في العبادات الجماعية كصلاة الجمعة، والجماعة، والعيد، والحج، يقوي الانتماء الإجتماعي، والعلاقات والسلوك الجماعي، ومن الطبيعي أنّ أهداف الانتماء الاجتماعي لن تتكامل ما لم يشعر الفرد بالأمان، والحج يعطي الفرد شعوراً بالأمان؛ لوقوعه في الأشهر الحرم التي يحرم فيها القتال، ولأنّ المناسك يجب أن تؤدى في وضع شرعي أمني خاص، ومن أجل ذلك، فقد أورد الإسلام ترتيبات أمنية في موسم الحج، حيث أوجب الأمن في البيت الحرام، وكون الحرم آمناً يأمن من دخله، وحرَّم الاعتداء على الآخرين، وحرَّم القتال في الأشهر الحرم، وأوجب حفظ حرمة الشعائر، وحرمة القاصدين لزيارة بيتالله الحرام، ومنع كلّ أساليب تعكير صفو الأمن خلال أداء المناسك، كالكذب، والجدال، والفسوق، وهذا كله يعكس أهمية الأمان في حياة الناس.
والحج أيضاً لقاء يكتسب منه المسلم ثقافة اجتماعية، وفوائد مسلكية، ومنافع مادية، قد تنجر عنها بركة عظيمة، وفوائد جمّة لشعوب إسلامية بكاملها، إذ قد تعقد فيه المعاهدات التجارية، كتبادل البضائع ممّا ينشط الاقتصاد الإسلامي، ولم يكن هذا ليقع لولا تعارف المسلمين بسبب اجتماعهم لأداء هذه الفريضة المباركة؛ ذلك أنّ في تعارف الشعوب الإسلامية، وتبادلها الآراء، وطرحها لمشاكلها ما يضيق شقّة الخلاف إن كان هناك خلاف، وإذا انعدم الخلاف عمّ التفاهم، ووحدت الغايات، واتحدت المناهج.
والحج تدريب عملي للمسلم على المبادئ الإنسانية العليا التي جاء بها الإسلام، وترسيخ لقيم التواضع والمساواة، فقد أراد دين اللَّه أن لا تكون تعاليمه ومبادئه مجرّد شعارات أو نداءات، بل ربطها بعبادته وشعائره ربطاً وثيقاً، حتى تكون سلوكاً تطبيقياً في حياة المسلم وفي علاقته مع الآخرين.
إنّ المسلم هناك وعندما يتجرّد عن الثوب الأنيق، بل الثوب المخيط، ويحرم عليه أن يمسّ الطيب. . ويرى نفسه في لباس ٍيساوي أقلّ الناس مالاً وجاهاً، هناك يتلقّى درساً في المساواة، لا تبلغه أقوى العبارات وأعظم الدروس، فالزيّ الذي يرتديه الحاج يدخل في شكله