24و كما قاله الإمام زين العابدين (ع) مخاطباً الشبلي: «فحين نزلت الميقات أنويت أنك خلعتَ ثوب المعصية ولبست ثوب الطاعة؟ . . . فحين تجردت عن مخيط ثيابك أنويت أنك تجرّدت من الرياء والنفاق والدخول في الشبهات؟ . . . فحين اغتسلت أنويت أنك اغتسلت من الخطايا والذنوب؟ . . . فحين تنظّفت وأحرمت وعقدت الحجّ أنويت أنّك تنظّفت بنور التوبة الخالصة لله تعالى؟ . . . فحين أحرمت أنويت أنّك حرّمت على نفسك كلّ محرّم حرّمه الله عزّوجل؟ . . . فحين عقدت الحجّ أنويت أنّك قد حللت كلّ عقد لغير الله؟ . .» وهكذا يسير الإمام (ع) مع الشبلي في بيان معاني وفلسفة مناسك الحج حتى يختم كلامه (ع) قائلاً له: «. . ارجع فإّنك لم تحجّ» . 1وحينما يسأل الإمام زين العابدين (ع) عن تلك الحالة التي تعتريه، عند وقوفه في الميقات وكأنه لايستطيع أن يقول: لبّيك، فيجيب (ع) : «أخشى أن يقول لي ربّي: لا لبّيك ولا سعديكَ» ، فيقول سفيان بن عيينة، وهو الرّاوي لهذا الحديث: «فلمّا لبّى غُشِيَ عليه وسقط من راحلته فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجّه» . 2وتستمر روح العبودية هذه والسلوك الروحاني والتقرّب إلى الله تعالى، وترك الدنيا والانسلاخ عن عالم المادة، والالتحاق بالملكوت والاستغراق في الله، حتى انتهاء مراحل وأعمال الحجّ ومناسكه، وهذا السلوك الرّوحاني هو الذي يمثل جوهرة العبودية في كل العبادات، لكن تتجلى في الحج أكثر من غيره من العبادات، ولذا فإنَّ الحج بهذا البعد المعنوي الواسع والجاذبية الرّوحانيّة العظيمة، هو بمثابة دورة كاملة من البناء الذاتي لشخصية الإنسان المسلم، وتهذيب نفسه من كل صنوف الدّنس، والتزيّن بمظاهر الأسماء والصفات الإلهية.