69
مقدّمة المؤلف
إنّ الأماكن التاريخية ذاكرة الأمم الحيّة، والشاهد القائم الذي لايكذب، والدليل الناطق الباقي إذا اندثرت الأجيال.
مكة المكرمة مهد الإسلام، ومبعث النور، ومنطلق خاتمة الرسالات، شرفت بولادة المصطفى (ص) ، واحتضنت كبار صحابته الكرام على أرضها المباركة، شهدت عرصاتها و مرابعها ملحمة الصراع بين الحق والباطل، و زكت تربتها بالدماء الزكية، دماء الشهداء.
في كلّ شعب منها وزاوية وبقعة أثر خالد، ومنار مضيء يحكي قصصاً من جهادهم، و أمثلة من كفاحهم، تظل وقائعه حية في نفوس الأجيال المسلمة سماعاً، ومشاهدة، تكتحل بها نواظرهم، و تتردد على أسماعهم مآثرهم، ترسخ بها معاني الإيمان، تتقوى بها عزائمهم، وتتجدد بها هممهم؛ لنشر العقيدة السليمة، والمبادئ، والقيم الصحيحة، يستنطقون من خلال السيرة والمسيرة والآثار القائمة أمجاد التاريخ الإسلامي في مراحله المبكرة؛ ليبعث حياً في النفوس.
مكة المكرمة قد ضمت العديد الكثير من تلك الأماكن التاريخية المهمة في تاريخ الإسلام، حظيت بعناية المسلمين واهتمامهم منذ العصور الإسلامية المبكرة تأليفاً وتدويناً، توقيعاً، ورواية متواترة، علمياً ومحلياً، فهي سجلّ حافل، في صفحات موثقة، يتوارث معرفتها الخلف عن السلف في تسلسل تاريخي منتظم، منذ ظهور الرسالة المحمدية، حتى الوقت الحاضر، حرص السلف الصالح: محدثون، وفقهاء، ومؤرخون، و أدباء منذ