70القرن الأول الهجري على ترسيم تلك الأماكن، وتوقيعها، وتحديدها تخليداً للحدث، مرتبطاً بمشاهدة المكان، فللمكان إيحاءاته وإشعاعاته، بقيت تراثاً خالداً باقياً عبر الأجيال المتعاقبة في أمانة وصدق، دون أن تمس بسوء.
إنّ هذا البحث يواصل تلك المسيرة التي ابتدأها سلفنا الصالح في صياغة تحليلية جديدة، فهو امتداد لتلك الجهود، خصوصاً وأنّ الكثير منها قد اختفى عن الأنظار؛ لغرض توسعة المسجد الحرام، وإعادة تخطيط المدينة المقدسة، مكة المكرمة بحسب ما جد فيها من طرق، وتزايد عدد السكان، وأعداد الحجاج الذين بلغ إحصاؤهم إلى ما يزيد على المليونين، والمستقبل ينبئ بزيادات مضاعفة في السكان، والحجاج والمعتمرين.
أدى هذا و غيره إلى غياب بعض تلك الأماكن من الوجود، وحتى تظل تلك الشواهد التاريخية التي عاصرت أفضل الخلق، وأعظم أجيال الإسلام محفورة في الذاكرة - وحتى لا يصبح تاريخنا و ماضينا أسطورة مثل ما حدث لبعض الأمم السابقة - يأتي هذا البحث لرصدها، وما طرأ عليها، استمراراً للتسلسل التاريخي لجزء من أهم خصائص المدرسة التاريخية المكية.
ظهرت العناية بهذه الأماكن المأثورة في مكة المكرمة عبر القرون الماضية توثيقاً في مدونات متعددة كثيرة، ومن لدن جهات علمية متنوعة.
في مدونات السيرة النبوية والمدونات التاريخية، والدراسات الفقهية، يسند هذا التدوين العلمي تواتر محلي تتوارثه الأجيال اللاحقة عن الأجيال السابقة، حرصاً ألا يطويها النسيان، فللمكان إيحاءاته و إشعاعاته الإيمانية، واستذكار الذين أدّوا دوراً مهماً في نشر الإسلام.