91قال معاذ: فلمّا فرغ الخراساني من حديثه، قال عمران بن أبي أنس: كان منها أربعة أبيات بلبن، لها حُجر من جريد، وكانت خمسة أبيات من جريد مطينة لاحجر لها، على أبوابها مسوح الشعر، ذرعت الستر فوجدته ثلاثة أذرع في ذراع والعظم، أو أدني من العظم؛ فأما ما ذكرت من كثرة البكاء، فلقد رأيتني في مجلس فيه نفر من أبناء أصحاب رسول الله (ص) منهم: أبو سلمة بن عبدالرحمن، و أبوأمامة بن سهل بن حفيف، وخارجة بن زيد، وإنهم ليبكون حتى أخضل لحاهم الدمع، وقال يومئذ أبو أمامة: ليتها تركت فلم تهدم حتى يقصر الناس عن البناء، و يروا ما رضي الله لنبيه ومفاتيح خزائن الدنيا بيده.
أخبرنا محمد بن عمر عن عبد الله بن عامر الأسلمي، قال: قال لي أبوبكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وهو في مصلاه، فيما بين الأسطوان التي تلي حرف القبر التي تلي الأخرى إلى طريق باب رسول الله (ص) : هذا بيت زينب بنت جحش، وكان رسول الله فيه، وهذا الصف كله إلى باب أسماء بنت حسن بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس اليوم إلى رحبة المسجد، فهذه بيوته، رأيتها بالجريد قد طرت بالطين عليها مسوح الشعر. 1وبسند الإمام الأزرقى إلى ابن جريج، عن إسماعيل بن أمية، أنّ خالد بن مضرس فيما يخص مصلى رسول الله (ص) بمسجد الخيف، أخبره أنه رأى أشياخاً من الأنصار، يتحرون مصلى النبي (ص) أمام المنارة قريباً منها.
و به إلى الأزرقي قال: قال جدّي: الأحجار التي بين يدى المنارة هو موضع مصلى النبي (ص) ، و لم يزل الناس، وأهل العلم يصلون هنالك. 2بهذا المفهوم الواضح البعيد عن الغلوّ والمبالغة، أو التجافي، والتقصير والإهمال تعامل المسلمون في الصدر الأول مع الآثار النبوية، وكل ما يتصل بها، أو بالصحابة الكرام، حافظوا على تدوين كل أثر يتعلق بهم وبتاريخهم، استشعاراً لأهميته، وليبقى ذخراً باقياً للأجيال القادمة التي لم تحظ بمشاهدتها.
يقول القاضى عياض (ت544ه-/1159م) في كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى (ص) :
«من إعظامه (ص) و إكباره، إعظام جميع أسبابه، و إكرام جميع مشاهده، وأمكنته من مكة، والمدينة، ومعاهده، وما لمسه بيده، أو عرف به. . .» ، 3وقد ذكر أدلة وشواهد على ذلك من عمل الصحابة رضوان الله عليهم، وهو ما دلل عليه عملاً وتطبيقاً سلفنا الصالح رضوان الله عليهم.
يقول شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي في توجيه هذا الموقف: «إنّ سبب النجاة الاستقامة في الأحوال والأفعال، ولا يتم ذلك إلاّ بسائق وقائد، كصحبة الصالحين، أو سماع أحوالهم،