60
أدلة القولين:
القول الأول: تقديم النذر على الحج
استُدل على القول بتقديم النذر على الحج بأمور:
الأمر الأول: أنّالإتيانبالنذر قبل حصول الاستطاعة أمر واجب، وهو يعتبر عذراً، ومع تحقق العذر لاتتحقق الاستطاعة؛ لأنّالمانع الشرعي كالمانع العقلي يمنع عن تعلق وجوب الحج به.
ودليل اعتبار العذر هو صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله (ع) ، قال: «إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك، وليس له شغل يعذره به، فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام» . 1هذا الحديث يفيد بأنّه لو كانله عذر يعذره الله تعالى عليه في ترك الحج، لميترك شريعة من شرائع الإسلام، ومعلوم أنّالوفاء بالنذر في وقته شرّعه الله تعالى، وألزم المكلف بما ألزم به نفسه، و اعتبره عذراً ومانعاً عن تعلق وجوب الحج به في ذلك الوقت، كما لو وجدنا ماءاً غصبياً في مثل قوله تعالى: فَلمتَجِدُوا ماءًًً فَتَيَمّمُوا صَعيداً طَيِّباً . 2حيث إنّفقدانالماء عذرٌ عقلي، ومانع عن تعلق وجوب الوضوء به، ووجدانه أيضاً بوصف الغصبية عذر شرعي لايجوز التوضّؤ به، فهنا العذر الشرعي كالعذر العقلي مانع عن تعلق الوجوب به، وهذا هو المذكور في أكثر كلمات الفقهاء. 3بعبارة أخرى: محصّل الاستدلال أنّه يعتبر في الاستطاعة إضافةً إلى صحة البدن وتخلية السرب، الاستطاعة المالية والزمانية، وعدم مزاحمتها لواجب آخر، ومع المزاحمة ترتفع الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج.
ويلاحظ عليه، أنّالرواية إنّما تعرض لترك الحج بلاعذر وتندّد به، وتعتبره تركاً لشريعة من شرائع الإسلام؛ وأمّا كون الوفاء بالنذر مثلاًعذراً، فهذا أوّل الكلام، فلابدّ من إثباته من خارج، كما ثبت العذر في موارد الحرج والضرر الزائدين على مايقتضيه الحج، و لم يثبت كون الوفاء بالنذر عذراً، و بعبارة أوضح، أنّالرواية لمتبيّن الصغرى، ولمتعرّف العذر بما هو عذرٌ. 4و أمّا الماء المغصوب، فإنّالشارع اعتبره عذراً و لميجوّز التوضؤ به، هذا بحث صغروي في اعتبار الوفاء بالنذر عذراً.
وأمّا البحث في الاستدلال على أنّعدم المزاحمة بواجب آخر، هل يعتبر من الاستطاعة أم لا؟
إنّا فصّلنا الكلام في الاستطاعة وتحقيق معناها، بأنّالمراد من الاستطاعة الواردة في الآية الشريفة والنصوص المفسرة لها، هي استطاعة عرفية على ما هو المختار، وهي تتمثل في توفر الزاد والراحلة، وصحة