44وهذه المائدة التي أعدّها الرحمن تعالى لعباده في شهر رمضان وذيالحجة من نوع موائد القلوب، تحفل بما يحُيي القلوب، ويفعّلها، وينشّطها ويهبها البصيرة، والنور، والهداية، واليقين بالله، والإقبال على الله بالذكر والدعاء، والشوق إلى الله، والأنس بذكر الله، وحبّ الله، وحبّ أوليائه، ومقت أعدائه، وأعداء أوليائه، وترقيق القلوب للإنابة، والإخبات والخشوع لله، ومخافة الله، ورجاء الله، والتوبة، والزهد عن الدنيا وحطامها، وقصر الأمل فيها، والإقبال على الصلاة، والإنفاق، وطول السجود، والبكاء بين يدي الله، وما لاأستطيع إحصاءه من مواهب الله لعباده في هذه الضيافة الربانية التي يستضيف الله فيها عباده مرتين في السنّة.
ومن عجب أنّ الجوع والعطش والكفّ عن الأهواء والشهوات، والكدح والبذل والجهد والتعبّد في هاتين الضيافتين هو السبيل إلى استنزال هذه المواهب العظيمة المباركة من خزائن رحمة الله.
و لله خَزائن السماواتِ والأرض . 1وإنْ مِنْ شَىْءٍ إلاَّ عِنْدَنَا خَزائِنُهُ وَمَا نُنزلُهُ إلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلوُمٍ . 2ولكلّ امرئ من المسلمين أن يأخذ من هذه الرحمة الهابطة ما يسعه وعاء نفسه وقلبه، فإنّ الرحمة الهابطة في شهر رمضان وشهر ذي الحجة في الحج ليس لها حدود. . . و كلّ منا يأخذ من هذه الرحمة ما يسعه وعاؤه.
المقارنة بين الضيافتين
و بين هاتين الضيافتين شبه كبير وفروق تظهر بالمقارنة؛ فهما معاً دورتان تمكنان الإنسان من ضبط النفس والأهواء والشهوات، و ربيعان للذكر والقرآن والدعاء، ومنزلان من منازل رحمة الله في وعاء الزمان، ولكلّ منهما قمة:
* قمّة شهر رمضان، ليلة القدر في وعاء الزمان، وهي وإن كانت مجهولةً، غير أنّ إحرازها ضمن محتملات ليالي القدر ليس بالأمر الصعب.
* و قمّة الحج يوم عرفة بعد الزوال، وفي وادي عرفة في وعاء الزمان والمكان.
و من لم يدرك عرفة في الحج المندوب، وتعرّف في الحائر الحسيني يدرك ثواب عرفة إن شاء الله، كما ورد ذلك في نصوص كثيرة.
و من الفروق البارزة بين هاتين الضيافتين، أنّ ضيافة الحج الواجبة مرة واحدة في العمر، وضيافة الصيام في شهر رمضان في كل سنة شهر كامل، ولعلّ السرّ في ذلك - والله أعلم -: أنّ التعبئة النفسية التي