43وأمّا عن الطائفة الثانية (ضيافة الله) ، فقد روي: «ممّا أوحى الله عزّوجلّ أنا الله ذو بكة، أهله جيرتي، وزوارها وفدي وأضيافي، أعمره بأهل السماء وأهل الأرض، يأتونه أفواجاً شعثاً غبراً، يعجون بالتكبير والتلبية، فمن اعتمره لايريد غيره فقد زارني، وهو وفد لي، ونزل بي، وحق لي أن أتحفه بكراماتي» . 1و عن خالد بن ربعي: أنّ أميرالمؤمنين (ع) دخل مكة في بعض حوائجه فوجد أعرابياً متعلّقا بأستار الكعبة، وهو يقول: يا صاحب البيت، البيت بيتك، والضيف ضيفك، ولكل ضيف من مضيفه قرى، فاجعل قراي منك الليلة المغفرة؛ فقال أميرالمؤمنين (ع) لأصحابه: «أما تسمعون كلام الأعرابي؟ قالوا: نعم. قال: الله أكرم من أن يرد ضيفه» . 2و عن الإمام الصادق (ع) : «إنّ ضيف الله عزّ وجلّ رجل حج واعتمر، فهو ضيف الله حتى يرجع إلى منزله» . 3و في الدعاء بعرفة: (أنا ضيفك فاجعل قراي الجنة) .
تخصيص شهر رمضان وذىالحجة بالضيافة الإلهية
و عباد الله على مائدة رحمة الله في كلّ وقت من فصول السنة وشهورها وأيامها، ولايَشُذّ أحد من الحضور على مائدة رحمة الله من صالحين وفاسقين ومسلمين وملحدين.
كُلاً نمدُّ هَؤلاَءِ وهَؤلاَءِ مِنْ عَطَاءِ ربِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ ربِّكَ محظُوراً . 4ولكنّ الضيافة الإلهية في هذين الشهرين، شهر رمضان، وشهر ذي الحجة، لحجاج بيت الله خصوصية و ميزة لاتوجد في غيرهما من حيث العطاء والتكريم الإلهي.
إنّ الضيافة في هذين الشهرين ليست من قبيل ضيافة الأجسام، وإنما هي من ضيافة القلوب، والمائدة الإلهية المعدّة لضيوف الرحمن في هذين الشهرين مائدة رحمة وشفاء، وغذاء للقلوب. . . وأعظم الموائد الإلهية في حياة الإنسان بعد نعمة الوجود موائد العقول، وموائد القلوب.
ومصائب الإنسان في نضوب القلوب والأرواح والنفوس أعظم من معاناته في فقر غذاء الأجسام، وشحه نتيجة سوء التوزيع لموارد الأرض على عباد الله.
وكلّ منها معاناة وعذاب للإنسان، مهما كان الفقر والعجز، سواء كان في غذاء الأجسام، أم العقول، أم القلوب.
ولكن مصيبة الإنسان العظمى هو في نضوب الروافد، التي تروي القلوب وتحييها وتنعشها أعظم من مصيبته في العجز الاقتصادي والعلمي، وإن كان كلّ من ذلك مصيبة في حياة الإنسان.