25نظراً لما يمتاز به الحج من ذكر خاص يقل مثيله في سائر العبادات، فإنه يغدو أساساً لنيل الحاج شهود أمورٍ لا يشهدها غيره، فالحج وإن كان بنفسه مذكّراً بالله سبحانه، إلاّ أنّ الذاهب إلى الحج يمنح في بعض الأوقات حالةً ذكرية تنسيه غير الله ولا يعيره بها اهتماماً.
ذكر الله هو لبّ الحج وروحه، كما أنّ نسيان الله وآياته باعث على عدم القدرة على رؤية شهود أسرار مناسك الحج، وهو عمى سوف يظهر في يوم القيامة، تماماً كما قال تعالى:
وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى * قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى
1
فالحج الذي يذكّر بالله تعالى، يري الحاج ما لايراه غيره ويكون عاجزين عنه ومحرومين منه، ولعلّه لهذا السبب جعل الله الحاج حرماً، ولم يجز إحلاله من إحرامه، إنّ الحاج نفسه شعيرة من شعائر الله، 2وما لم يرتكب ذنباً يظل بنفسه نورانياً. . «الحاج لا يزال عليه نور الحج مالم يَلُمَّ بذنب» . 3تفاوت مراتب الحجّاج
ينقسم الحجاج الحاضرون في منى - وفقاً للآية الشريفة فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً 4ومايليها من آية - إلى فريقين:
1. من يذهب للحج للسياحة، والتجارة، والشهرة، وأمثال ذلك، فمنطق هؤلاء ومطلوبهم هو الدنيا، أ كانت حلالاً أم حراماً، وليس حسناتها، من هنا فهم لايقولون: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وهؤلاء ليس لهم في الآخرة حظّ ولا نصيب، لأنّ منتهى أفق رؤيتهم لم يكن سوى نشأه الطبيعة، قال تعالى: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَ ما لَهُ فِي الآْخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ 52. من يذهب للحج ويريد عن الله حسنات الدنيا والآخرة، وهؤلاء هم من يعطيهم الله، قال سبحانه: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الآْخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ * أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَ اللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ . 6فمن حسنات الدنيا، المالُ الحلال، والأرحام، والأقارب المؤمنون، وأهل الفضل، القيام بالخدمات الاجتماعية، مجالس الأنس الإلهي، تعليم الكتاب والحكمة، التزكية، صلة الرحم وغير ذلك.
والدنيا بدون هذه الأمور ليس فيها حسنة حتى تطلب من الله.