24
تلك قلوب خاوية من الخيرات، خالية من الطاعات، مصرّة على الموذيات المحرمات؛ تعتقد تعظيم من أهنّاه، وتصغير من فخّمناه وبجّلناه؛ لئن وافوني كذلك لأشدّدن عذابهم ولأطلينّ حسابهم. تلك قلوب اعتقدت أن محمداً رسول الله (ص) كذب علىالله أو غلط عن الله في تقليده أخاه ووصيّه إقامة أود عباد الله، والقيام بسياساتهم، حتى يروا الأمن في إقامة الدين في إنقاذ الهالكين، ونعيم الجاهلين، وتنبيه الغافلين، الذين بئس المطايا إلى جهنم مطاياهم. ثم يقول الله عزّوجلّ: يا ملائكتي! اُنظروا، فينظرون فيقولون: ربنا وقد اطلعنا على قلوب هؤلاء الآخرين وهي بيض مضيئة، يرتفع عنها الأنوار إلى السماوات و الحجب، وتخرقها إلى أن تستقرّ عند ساق عرشك يارحمان. يقول الله عزّوجلّ: أولئك السعداء الذين تقبل الله أعمالهم، وشكر سعيهم في الحياة الدنيا، فإنهم قد أحسنوا فيها صنعاً. تلك قلوب حاوية للخيرات، مشتملة على الطاعات، مدمنة على المنجيات المشرفات. تعتقد تعظيم من عظّمناه وإهانة من أرذلناه. لئن وافوني كذلك لأثقلنّ من جهة الحسنات موازينهم ولأخفّفنّ من جهة السيئات موازينهم، ولأعظمنّ أنوارهم، ولأجعلنّ في دار كرامتي ومستقر رحمتي محلّهم وقرارهم. تلك قلوب اعتقدت أنّ محمداً رسول الله (ص) هو الصادق في كل أقواله، المحقّ في كل أفعاله، الشريف في كل خلاله، المبرز بالفضل في جميع خصاله، وأنه قد أصاب في نصبه أميرالمؤمنين علياً إماماً، وعَلَماً على دين الله واضحاً، واتخذوا أميرالمؤمنين إمام هدى وواقياً من الردى، الحقّ ما دعا إليه، والصواب والحكمة مادلّ عليه، والسعيد من وصل حبله بحبله، والشقيّ الهالك من خرج من جملة المؤمنين به والمطيعين له. . .» .
يقول أنس بن مالك، من ذلك عن الرسول الأكرم (ص) أنه قال: «إنّ الله تعالى يباهي بأهل عرفات الملائكة، يقول: يا ملائكتي! اُنظروا إلى عبادي شعثاً غبراً أقبلوا، يضربون إليّ من كلّ فجّ عميق، فأشهدكم أنّي قد أجبت دعاءهم، وشفعت رغبتهم، ووهبت مُسيأهم لمحسنهم، وأعطيت محسنهم جميع ما سألوني غير التبعات التي بينهم. فإذا أفاض القوم إلى جَمْع ووقفوا وعادوا في الرغبة والطلب إلى الله، يقول: يا ملائكتي! عبادي وقفوا وعادوا من الرغبة والطلب، فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم، وشفعت رغبتهم، ووهبت مسيأهم لمحسنهم، وأعطيت محسنهم جميع ما سألني، وكفلت عنهم بالتعبات التي بينهم» . 1وبناءاً عليه، من المناسب لزائري بيت الله الحرام عند المبيت بمنى، التباحث حول الأصول والعقائد؛ فإنّ ليالي منى ليالي درس، وليست وقت إقامة حفلات الأنس والمسامرات. وهنا يتم الحديث عن التوحيد والرسالة والولاية وأمثال ذلك، فينال الحاج فضيلةً علمية ومعنوية، ويفي حقّ آبائه وأجداده بشكل أفضل؛ لأنّ نداءهم له بأنّ كل خير نزل علينا فإنما هو بتوفيق وإمداد إلهي، فهو خير حامد وخير محمود، فبدل التفاخر بفضائلنا، علينا أن نحمده، ونثني على الأنبياء والأولياء الإلهيين (عليهم السلام) الذين كانوا واسطة في الفيض بيننا وبينه.
الحج فيّاض بإسم الله وذكره