23وعليه، فعلى الناس أن ترتاح بخاطرها من لسان الحاج ويديه وقلبه، بمعنى أنّ الحاج لا يذهب بماء وجه أحد، لا بنحو الجدّ ولا بنحو الهزل تحت مسميات الطرفة والنكتة السافرة، الملفوظة أو المكتوبة، ليس ارتياح الناس في لسان الحاج ويديه، بل من قلبه أيضاً حيث لاينال بالسوء أحداً، فالضرر القلبي والأذية القلبية هي أن يختزن الصدر حقداً على أحد أو يحسده ويضمر له السوء.
تصفية المناسك من العادات الجاهلية
لقد شرّع الله تعالى لعرفات، والمشعر ومنى أحكاماً، ولكل حكمٍ من هذه الأحكام حِكَمٌ مبيّنة، كالأمر بالتعظيم، وذكر اسم الله، و تذكّره وشكره على نعمة الهداية الإلهية. 1ومن أرفع رسالات الحج نشر العقائد التوحيدية، فإلى اليوم مازال هناك الملايين من الناس في أرجاء العالم يعبدون الأوثان، نعم إنّ عبادة الأوثان اليوم لم تعد مذهباً ومدرسة عريقة راسخة، فتطوّر العلم سحب البساط من تحت الأصنام وعبادتها، لكن إذا لم يجر نشر العقائد التوحيدية وبسطها في أرجاء المعمورة، فإنّ الخطر سيظل قائماً في ضلالة الملايين من الناس بإضلال من الآخرين، فيقعون في الإلحاد واللادينية، فبدل أن ينتقلوا من الديانة الباطلة إلى الديانة الفضلى، ينتقلونا منها إلى اللادينية! !
لقد جرت سنّة الجاهلية على أنه بعد الفراغ من الحج يجتمع الناس في منى، ويتفاخرون بقوتهم وأعرافهم وأنسابهم، فيذكرون أصولهم المعرفية وآباءهم بالشعر والنثر، معتمدين في ذلك على القيم الجاهلية، ككثره عدة أفراد القبيلة وعدتها، وقدرتها على الحرب والغارة.
أما نظام الحج في الإسلام، فقد قضى علىهذا النظام الجاهلي المهترئ واستبدله ببيان نظام إلهي قيمي هدى الناس إليه، وأمر بعد إتمام المناسك في منى بذكر الله كثيراً، وطلب المغفرة منه، وإرادة الحسنات وقد جاء في إحدى الروايات:
قال رجل لعليبنالحسين (عليهما السلام) : يا ابن رسول الله! إنّا إذا وقفنا بعرفات و منى وذكرنا الله ومجّدناه وصلّينا على محمد وآله الطيبين الطاهرين ذكرنا آباءنا أيضاً بمآثرهم ومناقبهم وشريف أعمالهم نريد بذلك قضاء حقوقهم.
فقال علي بن الحسين (ع) : «أولا أنبئكم بما هو أبلغ في قضاء الحقوق من ذلك؟» فقالوا: بلى يا ابن رسول الله. قال (ع) : «أفضل من ذلك وأولى أن تجدوا على أنفسكم ذكر توحيد الله والشهادة، وذكر محمد رسول الله والشهادة له بأنه سيدالنبيين، وذكر عليّ وليّ الله والشهادة بأنه سيد الوصيين، وذكر الأئمة الطاهرين من آل محمد الطيبين بأنهم عباد الله المخلصين، وبأنّ الله عزّوجلّ إذا كان عشية عرفة وضحوة يوم منى باهى كرام ملائكته بالواقفين بعرفات ومنى، وقال لهم: هؤلاء عبادي وإمائي حضروني ههنا من البلاد السحيقة البعيدة شعثاً غبراً، قد فارقوا شهواتهم وبلادهم وأوطانهم وأخدانهم ابتغاء مرضائي ألا فانظروا إلى قلوبهم وما فيها، فقد قويت أبصاركم ياملائكتي على الاطلاع عليها» . قال: «فتطلع الملائكة على قلوبهم فيقولون يا ربنا اطلعنا عليها، وبعضهم سود مدلهمة يرتفع عنها كدخان جهنم. فيقول الله: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً 2