22المشعر الحرام يقع في الحرم وهو أوّل مدخل يؤتى الحرم منه 1، فمن يعرف في يوم عرفة وأرض عرفات العلوم والمعارف الإلهية ويتعبّد بالآداب الدينية الخاصّة، يليق به أن يرد الحرم وأن يبين عند مدخله فيجمع الجمار كي يرمي بها في اليوم العاشر جمرات منى والشيطان.
إنّ سرّ الوقوف في المشعرالحرام والمبيت فيه أن يذكّر الحاج قلبه بشعار التقوى ويجعل عنوان قلبه الخوف والتقوى، 2فيعرف بها، وشعار كل قوم هو المعرّف لهم، وعليه فالتقوى مع وجودها في تمام مناسك الحج، إلاّ أنّ تجلّيها الخاص يكون عند الوقوف في المشعرالحرام ويظهر مشهوداً للواقفين على الأسرار.
عندما يقف الحاج في المزدلفة، ويجمع الحصيات، إنما يأخذ القوة ويتسلّح لمحاربة الشيطان، ويهبّ مواجهاً لأي عصيان، ويحلق رأسه في محضر الطاعات.
وعندما تطلع الشمس وينتهي المبيت في المشعرالحرام، يتجه الحاج إلى منى فيدخلها، وهنا يستحبّ له عند حركته إليها أن يسير برفق وحدود، و لايتمايل يميناً ولا شمالاً، ويطوي المسافة الفاصلة بين المشعر ومنى في المسير المحدّد، وسرّ هذا الحكم أن يتعلّم الحاج الحركة على الصراط المستقيم، فلايميل إلى الشرق ولا إلى الغرب؛ لأنّ اليمين واليسار انحراف، والسبيل الوسط هو الصراط المستقيم.
«اليمين والشمال مضلّة، والطريق الوسطى هي الجادّة» . 3الإفاضة إلى منى والمبيت فيها
يتوجّه الحجاج إلى منى بعد طلوع الشمس من العاشر من ذي الحجة، عقب مضيهم الليلة السابقة في سفرهم من عرفات إلى المشعر والوقوف فيه، وذلك لكي يؤدي أعمال منى الخاصّة.
وهنا يتحدث الإمام السجّاد (ع) مع الشبلي فيقول له: «وصلت منى، ورميت الجمرة، وحلقت رأسك، وذبحت هديك، وصليت في مسجد الخيف، ورجعت إلى مكة، وطفت طواف الإفاضة؟ . . .»
يحبّ الإنسان الخلود، من هنا يأمل في تهيئة ما يظلّ معه دائماً، فالذي يفكر في جمع المال يرتكب خطأ، ويكون في واقع الحال قد ترك تهيئة نفسه ولم يجمع سوى الوزر والوبال عليه، أما ذاك الساعي في الإنتاج، والقانع في المصرف والاستهلاك، والناجح في توفير الحلال مما يملكه، أي إنه عزيز الإنتاج قليل الاستهلاك، لايقل ولايمل، ويحل مشاكل الآخرين طلباً لرضا الله تعالى. . إنّ مثل هذا الشخص يرسل رأس ماله مسبقاً إلى القيامة والديار الأبدية، وبالموت يبلغ ماله ويصل إليه.
وخلاصة القول: إنّ الفريق الأول لديهم أمل مذموم، أما الفريق الثاني فعنده التمني الممدوح، ومنى هي أرض نيل الأماني الصادقة، لا تلك الكاذبة، و الآمال الباطلة، والمُنى الفاسده.
لقد سأل الإمام السجاد الشبلي فقال له: «أخرجت إلى منى؟ قال: نعم. قال: نويت أنك آمنت الناس من لسانك وقلبك ويدك؟ قال: لا. قال: فماخرجت إلى منى.»