90
أبيّ مفسراً:
يعد هذا الصحابي من جملة من اشتهر من الصحابة بالتفسير. وقد عده السيوطي من جملة العشرة الذين اشتهروا بالتفسير من الصحابة من الطبقة الأولى من المفسرين، وهو أول من ألف في فضائل القرآن، قال ابن النديم في الفهرست: ( الكتب المؤلفة في فضائل القرآن) وعدّها أحد عشر كتاباً لأحد عشر مؤلفاً وهم. . . (7) أبي بن كعب الأنصاري. . .
ثم يقول: وليس في العشرة الباقية أحد إلا وزمانه متأخر عن أبي، فعلم من ذلك أن أبياً أول من ألف في فضائل القرآن. . وعده ابن النديم في فهرسته من الذين جمعوا القرآن على عهد النبي (ص) فقال ما صورته: الجمّاع للقرآن على عهد النبي (ص) ، وعد جماعة ثم قال: أبي بن كعب وساق نسبه. . (13)
وقد وردت عنه نسخة كبيرة في التفسير رواها أبو جعفر الرازي بسنده عنه. (14)
ويرجع ذلك - كما يبدو - إلى أسباب منها:
أ - ما حظي به من دعاء النبي (ص) الخاص حين قال له: ليهنك العلم أبا المنذر. (15)
ب - لكونه قريباً من مصدر الرسالة والوحي، فهو من كتّاب الوحي، مما جعله عالماً بعلوم القرآن والتفسير ومنها: أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد والعام والخاص، وأجواء الآيات. . وكيف لا يكون كذلك؟ وهو القائل للخليفة الثاني: «يا أمير المؤمنين إني تلقيتُ القرآن ممن تلقّاه من جبريل وهو رطب.»
ج - وعلى القول بأنه كان قبل إسلامه حبرًا من أحبار اليهود العارفين بأسرار الكتب السماوية، مما جعله على مبلغ كبير من العلم ومعرفة آيات الكتاب المجيد.
وهنا لا بد لي من وقفة تحت عنوان:
هل كان أبيّ حبراً؟
إن كونه مطلعاً على الكتب القديمة، وما ورد فيها، و تركت عنده ثقافة واسعة، وحباً للقرآن الكريم، خصوصاً وقد وجد فيه فرقاً كبيراً، وامتيازات كبيرة، ومناقب عالية تفوق كثيراً عما وجده فيما سبقه من كتب، هذا شيء. وكونه حبراً من أحبار اليهود، وبالتالي كان يهودياً شيء آخر. وإن كان هذا لا ضير فيه، ولا يقدح بإيمان الرجل، إلا أنني لم أجد فيما تيسر لي من مصادر من يذكر هذا الأمر، سوى صاحب كتاب الأعلام خير الدين الزركلي (1976م) حيث قال: «كان قبل الإسلام حبراً من أحبار اليهود، مطلعاً على الكتب القديمة، يكتب ويقرأ على قلة العارفين بالكتابة في عصره، ولما أسلم كان من كتاب الوحي» . وردده الدكتور محمد حسين الذهبي (1398 ه) صاحب كتاب: التفسير والمفسرون، والقيسي في تاريخ التفسير. . ويبدو أن ما ذكروه كان إما وهماً واشتباهاً، أو أنه وقع خطأً نتيجة التقارب بين الاسمين: «كعب الأحبار وأبي بن كعب» .
منهجه في التفسير
كان له منهج متميز وله خصائصه، فقد عرف بتمسكه بما ورد عن رسول الله (ص) واستفاد منه في تفسيره للآيات القرآنية الكريمة، ولهذا جاء أكثر تفسيره بهذه الطريقة. . وأن رواياته جاءت موصولة السند برسول الله (ص) ، ويدلل اهتمامه الكبير بهذه الروايات في تفسيره على منهجه الأهم وأسلوبه الأمثل في تفسير القرآن الكريم. وإن لم يجد من المأثور ما يفسر به، ينتقل إلى أساليب أخرى، كتفسير القرآن بالقرآن واجتهاده. .