69
(والفجر* و ليال عشر)
سورة الفجر سورة مكية وآياتها ثلاثون آية. بدأت بأقسام أربعة وَ الْفَجْر * وَ لَيالٍ عَشْرٍ * وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْر * وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ. . . في هذه المقالة نقف عند الآيتين الأوليين فأكثر الكلام فيهما وأكتفي ببعض الإشارات أو الأقوال للآية وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْر .
إن الأيام كلها عند الله تعالى - وهي من مخلوقاته - تعد أوقات بركة، وأبواب خير ورحمة للناس، إلا أن عملية التفضيل تبقى مع ذلك - أمراً وارداً فيها، كما هو في كل شيء وفي كل ما خلق الله تعالى. . لهذا وبعد أن خلق الله سبحانه وتعالى الأرض ميّز بعضها على بعض، وفضل بعضها على بعض، وخلق الزمان وفضل بعض أيامه على بعضها الآخر، فخصّ بعض الشهور والأيام والليالي بمزايا وفضائل لا تجدها في غيرها، يعظم فيها الأجر، ويضاعف فيها الثواب من قبله سبحانه وتعالى، ويكثر فيها الفضل والعطاء، رحمة منه بعباده، و تشجيعاً لهم على الزيادة في العمل الصالح والرغبة في الطاعة، وعوناً منه تعالى لهم في تجديد النشاط؛ ليحظى المسلم بنصيب وافر من التقوى، فالأجر والثواب. . ويتأهب للموت قبل قدومه ويتزود للآخرة قبل أوانها: وتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى .
فالأيام والأزمنة وكذا الأماكن، التي تميزها السماء وتفضلها على غيرها هي في الحقيقة وقفات تدبر وتأمل و محطات تزوّد، كما وأنها مواسم مباركة تصب بخيرها علينا. . مواسم عبادة يحب الله تعالى أن يعبد فيها ويجزل فيها العطاء للعابدين، فصول يستدرك فيها الإنسان ما فاته ويسد الخلل، ويبدل النقص، ويعوض ما فاته في حياته، فيستأنف نشاطاً سليماً مرضياً عند بارئه وخالقه عز وجل، وما من موسم من هذه المواسم الفاضلة، إلا وقد شرع لله تعالى فيه وظيفة من وظائف الطاعة يتقرب بها العباد إليه. . وإلا لله تعالى فيها لطيفة من لطائف كرمه، ونفحة من نفحاته يصيب بها من يشاء بفضله ورحمته، فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات خصوصاً المفضلة سماوياً، وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من طاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار، ولا يصيبه شقاء بعدها، والنفحات جمع نفحة والنفحة لغةً تعني الطيب الذي ترتاح له النفس. (1)
وقد نسب إلى رسول الله (ص) قوله:
«إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً» . (2)
إن لَيالٍ عَشْر هي العشر الأوائل من ذي الحجة، وهو قول يعد أصحّ الأقوال كما يبدو من خلال دراسة أقوالهم العديدة فيها والتي سنأتي عليها، وهي تعد من أعظم المناسبات، فقد ثبت أن لهذه الليالي العشر الأوائل من شهر ذي الحجة فضلاً كبيراً نستقيه:
أولاً: من كتاب الله سبحانه وتعالى فقد قال الله تعالى:
وَ الْفَجْر * وَ لَيالٍ عَشْرٍ
وإذا أقسم الله بشيء دلّ هذا على عظم مكانته وفضله؛ إذ العظيم لا يقسم إلا بالعظيم.
ثانياً: من كونها أياماً معلومات شرع الله تعالى فيها ذكره المبارك، ويحظون فيها بمنافع عظيمة ويؤدون فيها أموراً أخرى كالذي حمله قوله تعالى:
لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِى أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَْنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (3)
و هذه الأيام هي عشر ذي الحجة كما عليه الأكثر، حتى ورد كما نسب إلى رسول الله (ص) أنه شهد أنها أفضل أيام الدنيا.