65وهكذا عندما نجد أن الصلاة والحج و. . . فيها مثل هذه الخصوصيات، كما سوف نلمح بعون الله تعالى.
ثانياً: لنفرض أن النصوص ليس فيها أيّ إشارة لهذا الموضوع، لكن تحليل بعض هذه العبادات يدفعنا للاقتناع بذلك، فالخمس والزكاة بأنواعهما من العبادات في الرأي الفقهي السائد، هل يستطيع أحد أن يفصلهما عن المفهوم السياسي العام؟ ! ألا يدخلان في السياسة الاقتصادية وفي علاقات الناس ببعضها؟ !
ثالثاً: لنفرض أننا تنازلنا عن الأمرين السابقين، لكن وجدنا بالتجربة أنه يمكن توظيف هذه العبادة أو تلك في الصالح العام للمسلمين، هل يكون تفعيل دور العبادات في الصالح العام أمراً مرفوضاً؟ ! هل القاعدة العامة ترفض ذلك إذا استطعنا تجنّب بعض سلبيات التطبيق أم تدعمه؟ ! إذا جعلنا من الحج مؤتمراً سنوياً ليفتح المسلمون فيه قلوبهم لبعضهم، ويطرحوا فيه قضاياهم، ويتعرّفوا على أوضاعهم، ويتبادلوا الرأي في حلّ مشكلاتهم الكبرى، هل قوله تعالى - في الآية التي ذكرت محرّمات الحج -: فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِى الْحَجِّ (1) تحظر مثل هذا الأمر، أم أن العمومات والقواعد العامّة تساعد عليه، مثل الحديث الشريف: «من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم، ومن سمع رجلاً ينادي: يا للمسلمين، فلم يجبه، فليس بمسلم» (2) ؟ !
نعم، رفض علمانية العبادات وتعطيلها عن التأثير على حياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، يجب أن يلحظ معه بعض الأمور، حتّى لا يؤدي ذلك إلى التورّط في بعض السلبيات، ومن هذه الأمور التي لا نقصدها ما يلي:
أ - الخلط بين القضايا السياسية والاجتماعية الكبرى، وبين المخاصمات الحزبية الضيقة أو الاستغلال الحزبي والسياسي المحدود الأفق للعبادات، فعندما نقول: إنّ المسجد له دور في الحياة السياسية، وأنّ المسجد النبوي كان مركزاً للعمل السياسي في حياة الرسول (ص) ، وأنّه يمثل البرلمان الإسلامي على حدّ قول الدكتور علي شريعتي. . عندما نقول ذلك، لا يعني أن تنقسم مساجدنا انقساماً سياسياً، فهذا المسجد للجماعة الفلانية، وذاك للجماعة الأخرى، وهذا المسجد لا ندخله؛ لأنّه للحزب الفلاني، وآخر ندخله لأنه للحزب الآخر الذي ننتمي إليه.
وحتّى لو تخطينا المدلول الضيّق لتسييس المسجد، فإن الأمر عينه يجري على مذهبة المساجد، فهذا المسجد شيعي إذاً فلا يدخله السني، وهذا المسجد سني إذاً فلا يدخله الشيعي، وذاك المسجد أباضي إذا فلا يدخله الإسماعيلي. . .
هذا المعنى لتسييس المساجد ومذهبتها لا أساس له في الدين، فههنا نقول: المسجد لله تعالى، هو للصلاة، هو بيت الله، لا بيت هذا الزعيم ولا ذاك، هو بيت الرحمن لا بيت هذا الحزب السياسي أو ذاك، هو بيت الصلاة، وليس بيت هذا المذهب أو ذاك.
وهذا ما يظهر جلياً في المساجد والمشاهد الإسلامية الكبرى، فهي للمسلمين عموماً وإن تولاها هذا المذهب أو ذاك، أو هذه الجماعة السياسية أو تلك، أو هذا الزعيم أو ذاك، أو هذه الدولة أو تلك.
فعندما أدخل المسجد الحرام فأنا أدخل مسجد الله ومكان عبادته، ولا أدخل مسجداً سلفياً أو سعودياً أو عربياً، وهكذا عندما أدخل الحرم الرضوي في مدينة مشهد في إيران، فأنا لا أدخل مشهداً شيعياً ولا إيرانياً. . .
نعم، هذا المعنى للتسييس مرفوض؛ إنّه استغلال لبيت الله وللعبادات وليس استخداماً له لخدمة الدين، فعلينا أن لا نخلط بين علاقة العبادة بالسياسة والاجتماع، وبين هذه المعاني الضيّقة للسياسة.
ب - تغيب الدور الروحي للعبادات؛ فعندما نتحدّث عن علاقة العبادات - ومنها الحج - بالسياسة والاجتماع الإسلاميين، فهذا لا يعني تغييب أو إضعاف الدور الروحي للعبادات؛ حيث يفترض أن لا يكون هذا على حساب ذاك، ولا ذاك على حساب هذا، بل يفترض تحقيق التوازن الذي يضع كل واحدة في موضعها؛ تفادياً لأيّ إفراط أو تفريط.