64
فقه الحج
السياسة وفقه الحج
هل السياسة بعيدة عن الحج وفقهه وقضاياه؟ وهل يفترض بحقّ تحييد الحج عن قضايا السياسة؟ وهل يلعب الحج دوراً في الحياة السياسية؟
هناك في أوساط العلماء والفقهاء المسلمين أكثر من اتجاه يختلف في هذه القضية التي التبس فيها الأمر.
الاتجاه الأول: ويذهب هذا الفريق إلى علمنة العبادات الدينية عموماً، ويرى أن الفقه الإسلامي يقدّم العبادات معلمنة خالية من أي علاقة أو دور في الحياة السياسية العامّة؛ فنحن إذا قرأنا كتب بعض الفقهاء المسلمين عندما يتحدثون عن العبادات بشكل عام، والحج بصورة خاصّة، نجد غياباً تاماً للسياسة والاجتماع؛ فهل تجد أن هناك كلمة لهذا الفقيه أو ذاك في ربط الصوم بواقع الاجتماع الإسلامي والسياسة؟ ومتى وجدنا ربطاً في كلمات الفقه الإسلامي بين الصلاة وقضايا المسلمين الكبرى؟
إن الذي يسود التصوّرات الفقهيّة للعبادات، هو منطق علماني بشكل تام أو شبه تام؛ لهذا يرى أنصار الاتجاه الأوّل أن من الطبيعي الفصل بين فقه العبادات عامة - والحج خاصة - وبين قضايا السياسة والاجتماع؛ لأن هذا هو الأمر الطبيعي الذي يخرج به أيّ مطالع لتراث المسلمين في فقه العبادات.
إن الفصل بين الدين العبادي وبين السياسة أمر نجده حتى في طبيعة الأعمال الفكرية لبعض الذين لايؤمنون بالفصل بين الدين والسياسة عامّة؛ فالعبادات ظلّت الجانب المحايد في الدين عن قضايا الاجتماع السياسي، بل نحن نجد في ثقافة المسلمين اليوم نزعة ميّالة لتحييد دُوْر العبادة وبيوتها أيضاً عن الاجتماع والسياسة؛ فتراهم يقولون: المسجد لله؛ وليس للعمل السياسي لهذا الحزب أو ذاك التنظيم أو ذلك التجمّع. . حيّدوا المساجد عن الصراعات السياسية! !
وعندما يكبر هذا المسجد ليصير المسجد الحرام أو المسجد النبوي الشريف، فمن الطبيعي أن يتضاعف الصوت المطالب بتحييد هذين المسجدين عن مثل ذلك، وبهذه الطريقة تمّت علمنة العبادات، وهي علمنة ساهم فيها بعض الفقهاء المسلمين أنفسهم قديماً وحديثاً.
1- نقد نظرية علمنة العبادات
والذي نلاحظه على اتجاه علمنة العبادات الدينية:
أولاً: إذا وجدنا في النصوص التي هي مرجع عمل الفقهاء وفتاواهم ما يؤكد لنا الدور السياسي للعبادات وبيوت الصلاة والدعاء؛ فسنكون مضطرين لاستبدال مرجعية الفقه الموروث بمرجعية أخرى هي الأصل و الأساس، عنيت مرجعية الكتاب والسنّة، لأن الفقه هو الفرع الذي يخرج من ذاك الأصل، فلا يصحّ له أن يتخطاه أو يتجاوزه.
وإذا رجعنا إلى العبادات في الكتاب والسنّة سنجد المدلول السياسي والاجتماعي حاضراً؛ فالأحاديث تذكر - ومنها خطبة الرسول الأكرم (ص) في استقبال شهر رمضان المبارك - أن الصوم يبعث على إحساس طبقات المجتمع ببعضها، أي إنّه يساعد على تقصير المسافة بين الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة، وبهذا ندخل - شئنا أم أبينا - في سياق سياسي داخلي، في علاقات طبقات المجتمع ببعضها؛ لأن السياسة لا تعني قضايا الحرب والسلم فحسب، بل تطال - بالمفهوم العام - مختلف قضايا الاجتماع الإسلامي العامّة.