60ثمّ قال الخطيب: أنبأنا الحسن بن أبي بكر، أنبأنا الحسن بن محمّد بن يحيى العلوي، حدّثني جدّي يحيى بن الحسن بن عُبيد الله بن الحسين بن عليّ بن الحسين، قال: كان موسى بن جعفر يُدعى العبد الصالح من عباداته واجتهاده.
روى أصحابنا أنّه دخل مسجد رسول الله (ص) فسجد سجدةً في أوّل الليل، فسمع وهو يقول في سجوده: عَظُم الذنبُ عندي فليحسُن العفو من عندك، يا أهل التقوى، ويا أهلَ المغفرة، فجعل يُردّدها حتّى أصبح.
وكان سخيّاً كريماً، يبلغه عن الرجل أنّه يُؤذيه فيبعث إليه بصرّة فيها ألف دينار. وكان يصرُّ الصُّرر بثلاثمائة دينار، وأربعمائة، ومائتين، ثمّ يقسِمُها بالمدينة، فمن جاءته صُرّة، استغنى. حكاية منقطعة، مع أنّ يحيى بن الحسن متّهم.
ثمّ قال يحيى هذا: حدّثنا إسماعيل بن يعقوب، حدّثنا محمّد بن عبدالله البكري، قال: قدمتُ المدينة أطلب بها دَيْناً، فقلت: لو أتيتَ موسى بن جعفر فشكوتَ إليه، فأتيته بنَقَمَى (50) في ضيعته، فخرج إليَّ، وأكلتُ معه، فذكرت له قصّتي فأعطاني ثلاثمائة دينار.
ثمّ قال يحيى: وذكر لي غيرُ واحد، أنّ رجلاً من آل عمر كان بالمدينة يؤذيه ويشتم عليّاً، وكان قد قال له بعض حاشيته: دعنا نقتله، فنهاهم، وزجرهم.
وذُكر له أنّ العُمريّ يزْدَرعُ بأرض، فركب إليه في مزرعته، فوجده، فدخل بحماره، فصاحَ العُمَريّ: لا توطّئ زرعنا فوطئ بالحمار حتّى وصل إليه، فنزل عنده وضاحكه. وقال: كم غرِمت في زرعك هذا؟ قال: مائة دينار. قال: فكم ترجو؟ قال: لا أعلم الغيب وأرجو أن يجيئني مائتا دينار. فأعطاه ثلاثمائة دينار. قال: هذا زرعُك على حاله. فقام العُمريّ فقبَّل رأسه، وقال: الله أعلمُ حيثُ يجعل رسالاته. وجعل يدعو له كلّ وقت. فقال أبو الحسن لخاصّته الذين أرادوا قتل العمري: أيما كان خيرٌ؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار؟
قلت: إن صحّت، فهذا غاية الحلم والسماحة.
وقال الخطيب: أنبأنا أبو العلاء الواسطي، حدّثنا عمر بن شاهين، حدّثنا الحُسين بن القاسم، حدّثني أحمد بن وهب، أخبرني عبد الرحمن بن صالح الأزدي، قال: حجَّ الرشيد فأتى قبر النبيّ (ص) ومعه موسى بن جعفر، فقال: السلام عليك يا رسول الله، يا ابن عمّ، افتخاراً على من حوله. فدنا موسى وقال: السلام عليك يا أبة. فتغيّر وجه هارون، وقال: هذا الفخر يا أبا الحسن حقّاً.
قال يحيى بن الحسن العلوي: حدّثني عمّار بن أبان قال: حبس موسى بن جعفر عند السندي بن شاهك، فسألته اُخته أن تولَّى حبسَهُ وكانت تَدَيَّنُ، ففعل. فكانت على خدمته، فحكي لنا أنّها قالت: كان إذا صلّى العَتَمَة، حمدَ الله ومجّده ودعاه. فلم يَزل كذلك حتّى يزول الليل. فإذا زالَ الليل، قام يُصلّي حتّى يُصلّي الصبح. ثمّ يذكر حتّى تطلع الشمس، ثمّ يقعد إلى ارتفاع الضحى، ثمّ يتهيّأ ويستاك، ويأكل. ثمّ يرقد إلى قبل الزوال، ثمّ يتوضّأ ويُصلّي العصر، ثمّ يذكر في القبلة حتّى يُصلّي المغرب، ثمّ يُصلّي ما بين المغرب إلى العَتَمة.
فكانت تقول: خابَ قومٌ تعرّضوا لهذا الرجل. وكان عبداً صالحاً.
وقيل: بعث موسى الكاظم إلى الرشيد برسالة من الحبس يقول: إنّه لن ينقضي عنّي يوم من البلاء إلاّ انقضى عنك معه يومٌ من الرّخاء حتّى نُفضيَ جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء يخسرُ فيه المُبطلون.
وعن عبد السلام بن السندي قال: كان موسى عندنا محبوساً، فلمّا مات، بعثنا إلى جماعة من العدول، من الكَرْخ فأدخلناهم عليه، فأشهدناهم على موته، ودُفن في مقابر الشونيزيّة.