103
أيام التشريق في القرآن الكريم
وَاذْكُرُواْ اللهَ فِى أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُون (1) .
أوشك موسم الحج أن ينقضي، وقربت مناسكه من نهايتها، وما هو إلا وقت يسير حتى يعود الحاج إلى أهله وبلده، وهنا يأتيه النداء الأخير ليكمل به عمله الذي بدأه، وشعائره التي تلبس بها، ومناسكه التي حرص على أدائها، وبالتالي يتم حجه الذي قدّم في سبيله ما كان غالياً عنده من جهد ومال وبُعد عن الأحبة والأهل والأولاد، وعطل لأدائه نشاطه من تجارة وكد وكسب. .
يأتيهم نداء السماء المبارك
وَاذْكُرُواْ اللهَ فِى أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ
شاءت السماء أن لا يغادر الحاج ساحة الحج حتى يذكر الله تعالى كما يحب سبحانه وتعالى وكما يريد، وفي الوقت الذي يشاء أن يذكر فيه فِى أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ .
أيام معدودات لا غير، أيام حبيبة إليه تعالى، لها شأن عظيم عنده، فيها جزاء خاص لديه. . تريدها السماء للحاج؛ ليتزود فيها بما يعصمه من سيئات الدنيا وعذاب الآخرة، وليأخذ من عطاء مائدتها ما يهيئه لجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. .
إنها أيام الذكر؛ ذكر الله تعالى، إنها أيام التشريق، إنها أيام منى، وقد جاءت تتميماً لأيام سبقتها أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ذات بركات كبيرة للحجيج لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِى أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ (2) . وجاءت أيضاً بعد يوم عظيم؛ عرفة (الحج عرفة) وجاءت أخيراً وقد اقترنت بيوم النحر بيوم الأضحى، فغدت أيام الحج: يوم عرفة والنحر والتشريق. . ما أجلّها من أيام! وما أعظمها من أيام! وما أجملها من أيام! . . . أيام ترغب السماء أن يكثر عباد الله الصالحون من ذكر الله تعالى فيها، فهي مفضلة وصالحة للذكر، وهي معدة للعبادة، وهي مهيئة للعطاء. . . وهي تذكرهم بيوم الحشر، وتشدهم إلى يوم الحساب، إنه يوم مهيب ومخيف. . ذاك هو يوم الحشر الأكبر الذي لا ينجو فيه إلا المتقون. .
وبما أن الحاج على وشك الانتهاء من أعمال الحج، وتَرْك تلك الأماكن المباركة، والعودة إلى صخب الحياة وزخرفها، أعقب ذلك سبحانه ببيان أن لزوم المؤمن لتقوى الله ينبغي أن يكون على كل حال، وفي كل زمان، فليست تقوى الله خاصة بزمان محدد، ولا بمكان معين، وإنما هي مطلوبة في الحِلِّ والترحال، والعبادة والحياة، والشدة والرخاء، كما ثبت في الحديث: «اتق الله حيثما كنت» ، في أي مكان كنت، وعلى أي حال صرت، لا كما يفعل بعض المسلمين اليوم، عند خروجهم من عبادة، كانتهاء رمضان، حيث يعودون إلى ما كانوا عليه من أعمال لا ترضي الله تعالى ورسوله (ص) ؛ ولهذا جاءت: وَاتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُون .
أمر القرآن الكريم بالتقوى في خاتمة الكلام، وراح يذكرنا بالحشر والبعث؛ لأن التقوى لا تتم، والمعصية لا تجتنب، بل والحياة لا تستقيم، إلا مع ذكر يوم الجزاء، قال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ. .) (3) .