104وفي اختيار لفظ الحشر في قوله تعالى: أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُون ، مع ما في نسك الحج من حشر الناس وجمعهم لطف ظاهر، وإشعار بأن الناسك ينبغي - وهو يعيش هذا الجمع المهيب والإفاضة - أن يذكر يوماً يحشر فيه الناس جميعاً . . وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (4) .
هذا وأن من أروع ما في الحج وكله رائع، ومن أجمل ما في الحج وكله جميل، ومن أنفع ما في الحج وكله نافع. . هو تلك الدروس الكبيرة المستفادة من مظاهره ومناسكه، التي أهمها وأجلها: توحيد الله تعالى، بدءاً بالإحرام نية وأحكاماً وآداباً مروراً بالمناسك الأخرى التالية له، فمثلاً الحاج حينما يفرغ من الطواف وأدعيته التوحيدية، تراه يصلي ركعتي الطواف، فيقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة الكافرون وفي الركعة الثانية يقرأ سورة الإخلاص، وفي هاتين السورتين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، ففي السورة الأولى البراءة من دين المشركين وإفراد الله بالعبادة. وفي السورة الثانية إفراد الله بصفات الكمال وتنزيهه عن صفات النقص، وبذلك يعرف العبد ربه، ويخلص له العبادة ويتبرأ من عبادة ما سواه. وهكذا في السعي بين الصفا والمروة. . .
ومن ذلك يتعلم المسلم أنه لايحل الطواف و السعي في أي مكان من الأرض إلا في المكان المخصص لهما حول البيت المبارك وبين الصفا والمروة، وهكذا بقية المناسك والمواقف؛ لأنها من شعائر الله تعالى، فالسعي مثلاً بين هذين المكانين إنما هو بأمر الله تعالى، فكل سعي في مكان غيرهما فليس عبادة لله، لأنه سعي بغير أمره تعالى، وليس في زمنه المعين، وبعيداً عن مكانه المحدد. . ويتجلى بينهما ذكر الله تعالى ومظاهر التوحيد، وكذا موقفه في عرفة «الحج عرفة» وهكذا المزدلفة، تتبين في كل هذه المحطات مظاهر توحيد الله تعالى في الحج، ثم تتضح في منى وما فيها من مناسك عديدة عبر ما شرعه الله تعالى في يوم العيد وأيام التشريق. قال تعالى:
وَاذْكُرُوا اللهَ فِى أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ (5) .
وذكر الله في هذه الأيام يتجلى في الشعائر العظيمة التي تؤدى في أيام منى، من رمي الجمار، وذبح الهدي، وأداء الصلوات فرضاً كانت أو استحباباً في هذا المشعر المبارك والأيام المباركة، كل هذه الأعمال ذكر لله عز وجل. فرمي الجمار ذكر لله، ولهذا يقول المسلم عند رمي كل حصاة: (الله أكبر) ، وذبح الهدي ذكر لله عز وجل كما قال تعالى: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِى أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (6) ، وهكذا كل ما يعمله الحاج هو ذكر لله تعالى، ومصداق للآية المباركة.
ومن فوائد هذه الآية أنها تعد الأخيرة في بيان مناسك الحجّ. وقد أبطلت سنناً جاهلية، حيث كانوا يتفاخرون في موسم العيد بآبائهم وأجدادهم وأمجادهم التي يزعمون، فسنّت بدل ذلك ذكر الله سبحانه وتعالى، فجاءت وَاذْكُرُوا اللهَ فِى أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ .
وبقرينة الآيات السابقة لهذه الآية، جاء هذا الأمر بذكر الله تعالى ناظراً إلى الأيّام الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر التي تسمّى بلسان الروايات (أيّام التشريق) . وكأن صدى هذه المناسك يتردد في جنبات منى، فيؤدي إلى إشراقة الروح المؤمنة، وهي تؤدي بل تعيش مناسك الحج، وخصوصاً في أيامها الأخيرة حيث قمة المناسك وختامها.
وقت النزول
هذا وأن الوقت الذي نزلت فيه هذه الآيات هو في حجة الوداع، آخر حجة حجها رسولالله (ص) ، وفيها تم تشريع حج التمتع.
الآية لغة وإعراباً وقراءة