69فيما هناك الموضوعات التي يغلب عليها الطابع المدني التشريعي من الإِذن بالقتال والأمر بالجهاد في سبيل الله، فالمسلمون لم يؤذن لهم بالقتال والقصاص إلا بعد الهجرة، لردّ أذى المشركين والدفاع عن حرية العبادة . . كما أنها تتضمن أحكام الحج والهدي وحماية الشعائر وما وراءها من إثارة مشاعر التقوى في القلوب لبناء الحاج بناءاً أخلاقياً صلباً . . ثم تذكر الوعد بنصر الله لمن يقع عليه البغي وهو يرد العدوان، وغير ذلك من المواضيع التي هي من خصائص السور المدنية، حتى لقد عدها بعض العلماء من السور المشتركة بين المدني والمكي.
نزلت هذه السورة بعد سورة النور، ترتيبها في القرآن 22 بعد سورة الأنبياء، عدد آياتها 78، عدد كلماتها 1279، وعدد حروفها 5196، وهي تشكل مع سورة الأنبياء الجزء 17، ويضمّها حزب واحد وهو الحزب 34 .
فضلها
عن أبي بن كعب أنه قال: قال النبي(ص) : من قرأ سورة الحج أعطي من الأجر كحجة حجها وعمرة اعتمرها بعدد من حج واعتمر فيما مضى وفيما بقي.
قال أبو عبد الله(ع) : من قرأها في كل ثلاثة أيام لم يخرج من سنة حتى يخرج إلى بيت الله الحرام وإن مات في سفره دخل الجنة .
وهي تعدّ أيضاً من أعاجيب السور القرآنية كما يقول الغزنوي: «وهي من أعاجيب السور نزلت ليلاً ونهاراً، سفراً وحضراً، مكياً ومدنياً، سلمياً وحربياً، ناسخاً ومنسوخاً، محكماً ومتشابهاً، مختلف العدد» 1.
إن آيات هذه السورة توزعت بين ما هو مكي وما هو مدني، فمنهم من يقول: كلها مكية إلا بعض الآيات، فيما يقول غيرهم: إنها مدنية إلا بعض الآيات، وهذا يعني أن الاختلاف وقع بينهم في أصل السورة بين كونها مكية إلا بعضها وكونها مدنية إلا بعضها فهناك إذن آيات منها نزلت في مكة فيما نزلت أخرى في المدينة ، وفيها آيات نزلت ليلاً وآيات أخرى نزلت نهاراً، وآيات نزلت في السفر وآيات نزلت في الحضر...
ابن عباس في قول ومجاهد يذهبان إلى أن السورة مكية سوى ثلاث آيات:
هٰذٰانِ خَصْمٰانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيٰابٌ مِنْ نٰارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مٰا فِي بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ وَ لَهُمْ مَقٰامِعُ مِنْ حَدِيدٍ .
وعن ابن عباس أنهنّ أربع آيات أي بإضافة الآية التالية:
كُلَّمٰا أَرٰادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهٰا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهٰا وَ ذُوقُوا عَذٰابَ الْحَرِيقِ .
وفي مجمع البيان عن ابن عباس وعطاء أنها مكية إلا آيات . ولم يذكر هذه الآيات.
وفي قول آخر منسوب إلى ابن عباس ومعه الضحاك وقتادة إلى أنها مدنية إلا أربع آيات:
وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لاٰ نَبِيٍّ... .
عَذٰابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ، فهنّ مكيات .
أخرج ابن المنذر، عن قتادة قال: نزل بالمدينة من القرآن الحج، غير أربع آيات مكيات:
وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لاٰ نَبِيٍّ... .
عَذٰابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ
2
.
وقال الحسن كما عن مجمع البيان : هي مدنية غير آيات نزلت في السفر، وقال بعضهم: غير ست آيات، وقال بعضهم: غير أربع.
وعد النقّاش ما نزل بالمدينة عشر آيات . وقال الجمهور: السورة مختلطة منها مكي ومنها مدني.
يقول القرطبي في جامعه: وهذا هو الأصح لأن الآيات تقتضي ذلك، لأن يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ مكي و يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مدني 3.
آيتا السجود
ذكرت بعض الروايات أن سورة الحج تتضمن آيتين يسجد عند قراءتهما، وقد تميزت بهما هذه السورة بل وفضلت بوجودهما على غيرها من السور القرآنية، وهاتان الآيتان هما:
أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّٰهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبٰالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ وَ كَثِيرٌ مِنَ النّٰاسِ وَ كَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذٰابُ وَ مَنْ يُهِنِ اللّٰهُ فَمٰا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللّٰهَ يَفْعَلُ مٰا يَشٰاءُ
4
.
يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
5
.