70
ومن هذه الروايات :
وجاء في فضلها ما رواه الترمذي وأبو داود والدارقطني عن عقبة بن عامر قال: قلت : يا رسول الله فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين ؟
قال : نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما .
أخرج أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم والبيهقي في سننه وابن مردويه، عن عقبة بن عامر قال: قلت: يا رسول الله، أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟
قال: «نعم. فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما».
وأخرج أبو داود في المراسيل والبيهقي، عن خالد بن معدان: أن رسول الله(ص) قال: فضلت سورة الحج على القرآن بسجدتين .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والإسماعيلي وابن مردويه والبيهقي، عن عمر أنه: كان يسجد سجدتين في الحج. قال: إن هذه السورة فضلت على سائر السور بسجدتين.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن علي وأبي الدرداء: أنهما سجدا في الحج سجدتين.
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق أبي العالية، عن ابن عباس قال: في سورة الحج سجدتان.
فيما أخرج ابن شيبة من طريق أبي العريان المجاشعي، عن ابن عباس أنه قال: في الحج سجدة واحدة. وهو قول سفيان الثوري..
إذن وقع الاختلاف بينهم بسبب الروايات المختلفة في كونها تتضمن سجدتين أو سجدة واحدة . ولكن يبدو أن فيها سجدتين وهو ما عليه المصحف الشريف . لكنهما سجدتان غير واجبتي السجود، كما عليه الإمامية الذين حصروا السجود الواجب فقط بآيات سور العزائم الأربع:
السجدة: 15 . فصلت: 37 . النجم: 62 . العلق: 19 .
فالسجدة في سورة العلق كانت أول آية سجدة في القرآن وهي خاصة بالرسول(ص) وحده، أما آية السجدة في آخر سورة الحج فهي آخر آية سجدة نزلت وهي موجهة للمؤمنين جميعاً .
إن أول ما تتكلم عنه هذه السورة هو التقوى ثم عن يوم القيامة، فنراها تركّز من البداية على التقوى عبر خطاب عام لكل الناس، كما أن خطاب الحج للناس كافة، ثم تنص على خطورة الساعة و زلزلتها التي تنتظرهم جميعاً وأنه ذلك اليوم العظيم «البعث والنشور والقيامة» قبل أن تنتقل إلى موضوع آخر، وهو الجهاد في سبيل الله، لتنتقل بعده إلى العبودية والخضوع لله تبارك وتعالى، وتبين بعد ذلك أن الله تعالى يسجد له من في السماوات والأرض وأن السجود ليس مختصاً بالإنسان وحده وإنما يعم جميع مخلوقاته سبحانه وتعالى .
فما هي تلك العلاقة التي تربط بين هذه الأمور ببعضها؟ وما علاقتها بالحج ومناسكه ؟
هناك سرّ في هذه المناسك العظيمة التي شرعها لنا الله تعالى في مخزون علمه سبحانه وتعالى، ولكن يمكننا أن نستجلي من خلال قراءتنا لأنشطة هذه الفريضة وما ورد فيها من آيات وروايات وأقوال وآراء وكتابات بعض ذلك السرّ.
فالواقع أن الحج هو العبادة التي تبني الأمة؛ لما فيه من عبر لا يعلمها إلا من حج واستشعر كل معاني الحج الحقيقية.
إن المسلم عندما يؤدي هذه العبادة العظيمة، أو يعيش مع الحجاج أو يتخيل نفسه معهم إن لم يكن فعلاً معهم يؤدي ما يؤدونه من مناسك الحج ، سيفهم ما يريده الله تعالى ربنا من السورة، شريطة أن نفهم أن الحج عبادة لها دور أساسي في بناء الفرد الذاتي والعقيدي و بناء الأمة وتثبيت وتعميق عقيدتها . وكأن السورة تقول لقارئيها: حجوا حجة صحيحة، كما هي الحجة التي حجها رسول الله(ص) فهو القدوة والأسوة وهو القائل : «خذوا عني مناسككم».
لتبنوا أنفسكم البناء الصحيح وتدربوها على حمل المعاني الرائعة والمفاهيم الأساسية، لأن هذه الأمور جميعاً تعد عاملاً أساسياً لبناء الأفراد والمجتمعات وبالتالي الأمة كلها...
فما أنزل الله تعالى الآيات إلا في مكانها المناسب بتدبير وحكمة لا يعلمها إلا هو، ولكن إذا ما تمعنا في الآيات وتدبرناها واجتهدنا في التقصي والتحري لمعانيها فلعلنا نصيب حكمها ونفهم أهدافها ومراد الله تعالى منها .. . وعندئذ قد نوفق بلطف من الله سبحانه لمعرفة تلك العلاقة . .
فقوله تعالى : يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ .
إذن الخطاب في بداية السورة جاء إلى الناس :