117قال: فقلت في نفسي: ثكلتك أمك، سعد بن مالك ، ألا أراني كنت فيما يكره منذ اليوم وما أدري؟ لا جرم ، والله لا أذكره بسوء أبداً سرّاً وعلانيةً 1.
وإن استصغر أبو سعيد الخدري يوم أحد فرد، إلا أنه شارك بعد ذلك مع رسول الله(ص) في اثنتي عشرة غزوة، بدءاً بمعركة الخندق التي كانت أول مشاهده وبيعة الرضوان... 2
وعن الخدري كما جاء في أمالي الطوسي: أخبرنا الشيخ أبو جعفر الطوسي، عن أبي عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد [النعمان] عن أبي الحسن مُحَمَّد بن المظفر البزاز، عن أحمد بن عبيد العطاردي، عن أبي بشر بن بكير، عن زياد بن المنذر، عن أبي عبد الله مولى بني هاشم، عن أبي سعيد الخدري، قال: .. . لما كان يوم أحد شجَّ النبي(ص) في وجهه وكُسِرت رباعيته، فقام(ص) رافعاً يديه يقول:
إنَّ الله اشتدَّ غضبه على اليهود أن قالوا: عزيرٌ ابن الله، واشتدَّ غضبه على النصارى أنْ قالوا: المسيح ابن الله، واشتدَّ غضبه على من أراق دمي، وآذاني في عترتي 3.
ومما رواه أبو سعيد عن مجريات معركة أحد كما في مختصر تاريخ دمشق تفاصيل إصابة رسول الله(ص) كما في الخبر عنه:
كان أبو سعيد الخدري يحدث أن رسول الله(ص) أصيب وجهه يوم أحد، فدخلت الحلقتان من المغفر في وجنته، فلما نزعتا جعل الدم يسرب كما يسرب الشن، فجعل أبي مالك بن سنان يملج الدم بفيه، ثم ازدرده، فقال رسول الله(ص) : من أحب أن ينظر إلى من خالط دمه دمي فلينظر إلى مالك بن سنان . فقيل لمالك: تشرب الدم ؟ فقال: نعم أشرب دم رسول الله(ص) . فقال رسول الله(ص) : من مس دمه دمي لم تصبه النار . قال أبوسعيد: فكنا ممن رد من الشيخين لم نجز مع المقاتلة، فلما كان من النهار، وبلغنا مصاب رسول الله(ص) ، وننظر إلى سلامته، فنرجع بذلك إلى أهلينا، فلقينا الناس منصرفين ببطن قناة، فلم يكن همة إلا النبي(ص) ننظر إليه، فلما نظر إلي قال: سعد بن مالك؟ قلت: نعم بأبي وأمي، فدنوت منه فقبلت ركبته وهو على فرسه، ثم قال: آجرك الله في أبيك . ثم نظرت إلى وجهه فإذا في وجنتيه مثل موضع الدرهم في كل وجنة، وإذا شجة في جبهته عند أصول الشعر، وإذا شفته السفلى تدمى، وإذا رباعيته اليمنى شظية، وإذا على جرحه شيء أسود . فسألت: ما هذا على وجهه؟ فقالوا: حصير محرق، وسألت: من دمى وجنتيه؟ فقيل: ابن قميئة . فقلت: من شجّه في جبهته؟ فقيل: ابن شهاب . فقلت: من أصاب شفته؟ فقيل: عتبة . فجعت أعدو بين يديه حتى نزل ببابه ، فما نزل إلا حملاً ، وأرى ركبتيه مجحوشتين ، يتكئ على السعدين: سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ، حتى دخل بيته.
فلما غربت الشمس وأذن بلال بالصلاة، خرج رسول الله(ص) على مثل تلك الحال، يتوكأ على السعدين، ثم انصرف إلى بيته ، والناس في المسجد يوقدون النيران، يتكمدون بها من الجراح ،ثم أذن بلال بالعشاء حين غاب الشفق ، فلم يخرج رسول الله(ص) ، وجلس بلال عند بابه حتى ذهب ثلث الليل، ثم ناداه : الصلاة يا رسول الله . فخرج رسول الله(ص) وقد كان نائماً . قال: فرمقته فإذا هو أخف في مشيته منه حين دخل بيته ، فصليت معه العشاء، ثم رجع إلى بيته وقد صف له الرجال ما بين بيته إلى مصلاه يمشي وحده حتى دخل ، ورجعت إلى أهلي فخبرتهم بسلامة رسولالله(ص) فحمدوا الله على ذلك وناموا ، وكانت وجوه الخزرج والأوس في المسجد على باب النبي(ص) يحرسونه فرقاً من قريش أن تكر.. 4
عفته وطاعته !!
عرف هذا الصحابي بعفة النفس وشدة الامتثال لأمر رسول الله(ص) والأخذ بنصحه وإرشاده ولثقته المطلقة بوعد الله ورسوله(ص) . لما سمع رسول الله(ص) يعد المتعففين عن المسألة بأن الله تعالى سيغنيهم من فضله وإحسانه وقد جاء يسأل الرسول(ص) وقد بلغت به الحاجة مبلغاً عظيماً حتى أنه ربط على بطنه الحجر من شدة الجوع إلا أنه آثر الصبر والاحتمال رجاء ما عندالله تعالى، وقد تحقق له ما وعد به رسول الله(ص) فأغناه الله من فضله.
ومما قاله أبو سعيد نفسه بعد استشهاد أبيه وبعد ما ألم بأهله العوز : استشهد أبي يوم أحد ، وتركنا بغير مال، فأصابتنا حاجة شديدة . قال : فقالت لي أمي : أي بني! ائت النبي(ص) فاسأله لنا شيئاً . فجئته فسلمت وجلست، وهو في أصحابه جالس فقال واستقبلني: إنه من استغنى أغناه الله، ومن استعف أعفه الله، ومن استكف أكفه الله . قال: قلت : ما يريد غيري . فانصرفت ولم أكلمه في شيء . فقالت لي أمي: ما فعلت؟ فأخبرتها الخبر . قال : فصبّرنا الله عز وجل ورزقنا شيئاً . فبلغنا، حتى ألحت علينا حاجة شديدة أشدّ منها . فقالت لي أمي: ائت النبي(ص) فاسأله لنا شيئاً . قال: فجئته وهو في أصحابه جالس، فسلمت وجلست، فاستقبلني وعاد بالقول الأول وزاد فيه : ومن سأل وله قيمة أوقية فهو ملحف . قال : قلت : الياقوتة ناقتي خير من أوقية ، فرجعت ولم أسأله . . فرزق الله تعالى حتى ما أعلم أهل بيت من الأنصار أكثر أموالاً منا 5.
وعن هلال بن حصن قال : نزلت على أبي سعيد الخدري فضمني وإياه المجلس . قال : فحدث أنه أصبح ذات يوم وقد عصب على بطنه حجراً من الجوع فقالت له إمرأته أو أمه: ائت النبي(ص) فاسأله فقد أتاه فلان فسأله فأعطاه وأتاه فلان فسأله فأعطاه . فقال : قلت : حتى ألتمس شيئاً، قال: فالتمست فأتيته، قال حجاج: فلم أجد شيئاً فأتيته وهو يخطب فأدركت من قوله وهو يقول:
«مَنِ اسْتَعَفَّ يُعِفَّهُ اللهُ وَمَنِ اسْتَغْنَى يُغْنِهِ اللهُ وَمَنْ سَأَلَنَا إِمَّا أَنْ نَبْذُلَ لَهُ وَ إِمَّا أَنْ نُوَاسِيَهُ .. . وَمَنْ يَسْتَعِفُّ عَنَّا أَوْ يَسْتَغْنِي أَحَبُّ إِلَيْنَا مِمَّنْ يَسْأَلُنَا».
قال : فرجعت فما سألته شيئاً، فما زال الله تعالى يرزقنا حتى ما أعلم في الأنصار أهل بيت أكثر أموالاً منا 6.
جرأته في الحق !!
عمَّار والفئة الباغية: الخدري يعرف جيداً أن معاوية وجنده وأتباعه هم أهل الباطل ، كيف لا وهو الذي روى ما ذكره رسول الله(ص) بحق عمار بن ياسر أنه هو الذي تقتله الفئة الباغية، وهو ما حدث بالفعل في معركة صفين حينما كان عمار يحمل راية الحق التي يمثلها أمير المؤمنين علي(ع)