102إن من أسرار الكعبة أنها صرة الأرض وموصولة بالبيت المعمور في السماء السابعة، وأول بيت وضع للناس بناه إبراهيم وابنه إسماعيل8، وليس هناك في الكون بقعة أكثر مهابة وقدسية من هذه الحجرة المكعبة. .
وعن موضوع العبادة والكعبة يقول:. . لم تعبد في تاريخها من دون الله قط، فقد كان العرب يعبدون الأصنام والأوثان حولها ولم يخصوها أبداً بالعبادة، حجّ إليها كل الأنبياء، ومجرد النظر إليها عبادة تعادل أجر عابد في غير مكة.
ثم يضيف المضواحي عما سجله قلمه عن هذه البقعة التي توصف بأنها قدس الأقداس الإسلامية:
حول الكعبة ثلاثة أسرار لا يوجد مثيل لها في الأرض، الحجر الأسود، ومقام إبراهيم، وهما ياقوتتان من يواقيت الجنة، وبئر زمزم وهو نهر من أنهار الجنة ينبع عينه المتدفق من تحت أعتاب الحجر الأسود.
بحث لغوي في الآية الكريمة
اللغة: بكة: لغة في مكة وسميت مكة لأنها قليلة الماء تقول العرب: مك الفصيل ضرع أمه وأمكه إذا امتص ما فيه من اللبن . وفي القاموس ما يدل على أنها سميت بذلك لأنها تمك الذنوب أي تمحوها وتزيلها . وذكروا أيضاً: أن أصل بكة البك وهو الزحم، يقال: بكه يبكه بكاً إذا زحمه ويباك الناس إذا ازدحموا فيها قال:
إذا الشريب أخذته الاكه
فخله حتى يبك بكه
فبكة مزدحم الناس للطواف وهو ما حول الكعبة من داخل المسجد الحرام . وقيل: سميت بكة لأنها تبك أعناق الجبابرة أي تذلهم وتهلكهم إذا ألحدوا فيها بظلم ولم يمهلوا .
هذا وإن اشتقاق مكة يجوز أن يكون كاشتقاق بكة وإبدال الميم من الباء كقوله: «ضربة لازب ولازم»، ويجوز أن يكون من قولهم: أمتك الفصيل ما في ضرع الناقة إذا مص مصاً شديداً حتى لا يبقى منه شيء، ومك المشاش مكاً إذا تمشش بفيه فسميت مكة بذلك لقلة مائها ..
وأصل البركة الثبوت من قولهم برك بروكاً أو بركاً إذا ثبت على حاله، فالبركة ثبوت الخير بنموّه، ومنه البركة شبه الحوض يمسك الماء لثبوته فيه، ومنه قول الناس: تبارك الله لثبوته لم يزل ولا يزال وحده .
وقفة إعرابية مع الآية:
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّٰاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبٰارَكاً وَ هُدىً لِلْعٰالَمِينَ ).
كلام مستأنف مسوق للدلالة على أن أول مسجد وضع للناس هو المسجد الحرام ثم البيت المقدس، وأول من بناه إبراهيم(ع) .
وإنّ واسمها وبيت مضاف إليه، ووضع فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره: هو، وللناس جار ومجرور متعلقان بوضع، والجملة صفة لبيت، وللذي اللام المفتوحة هي المزحلقة، والذي اسم موصول في محل رفع خبر إن، وببكة جار ومجرور متعلقان بمحذوف لا محل له لأنه صلة الموصول، ومباركاً حال من اسم الموصول أو من الضمير المستكن في متعلق الجار والمجرور، وهدى عطف على مباركاً، وللعالمين جار ومجرور متعلقان بهدى، أي هادياً لهم 1. .
وذكروا في أسباب النزول
تفاخر المسلمون واليهود فقالت اليهود: بيت المقدس أفضل من الكعبة لأنه مهاجر الأنبياء وفي الأرض المقدسة . وقال المسلمون: بل الكعبة أفضل . فأنزل الله تعالى هذه الآية 2 .
الآية وأقوال المفسرين
قبل أن نتعرض إلى بعض أقوال المفسرين نلقي ضوءاً بسيطاً على مفردات الآية المباركة؛ فالآية تتوفر على خصائص رائعة هي صفات للبيت فإضافة إلى أنه وصف بأول بيت ظهر على وجه الأرض فيما يحمله من مزايا عالية وأهداف سامية وفضائل عظيمة، راح يتحلى بمزايا أخرى وهي كونه (مباركاً) والبركة تعني لغةً النماء والخير والزيادة والسعادة والرفعة، ونظراً لعدم وجود تحديد لها فهي واسعة ولعدم وجود ما يخصصها بنوع فهي تشمل المعنوية والمادية. . وكونه (هدى للعالمين) والهدى لغة الرشاد والطريق والدلالة بلطف إلى ما يوصل إلى المطلوب، وهنا يجد الإنسان ما يدلّه على دين الله ومغفرته ورضوانه .. .