18والنتيجة أن النزعة القومية مرفوضة قرآنياً وعقلياً؛ لما تحمله من مضمون سلبي.
أما الاتحاد القومي والوطني، فهو مفهوم إيجابي لا يحمل في طيّاته أيّ آثار سلبية، إنّه يعني أن الأمة التي تعيش على أرضٍ واحدة وتشرب من مياه واحدة، تستفيد منها طوال سنين، فإن لهذه الأرض حقاً عليهم، وهذا الحق يتمثل في أن يتحد البشر الساكنين على سطحها ويضعوا يدهم بيد بعضهم بعضاً، يرفعون بذلك نقائص حياتهم، ويتغلبون على المشاكل والأزمات، دون أن يمارسوا تحقيراً للشعوب الأخرى أو يقوموا بأذيتها والإضرار بها، إن الاتحاد القومي والوطني بهذا المعنى الآنف الذكر فكرٌ فطري؛ فكل إنسان تربطه بوطنه علاقة عاطفية.
عندما هاجر النبي الأكرم(ص) من مكة، وقعت هذه المدينة في ذاكرته وهو في وسط الطريق عند «الجحفة»، فلم يتمكّن من إخفاء مشاعره وحبّه لمسقط رأسه، فامتلأت عيناه بالدموع، وهنا نزل قوله تعالى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرٰادُّكَ إِلىٰ مَعٰادٍ 1.
كذلك وعندما فتح النبي(ص) مكة بعد عشر سنوات من البُعد عنها ومفارقتها، وطهّر بيت التوحيد من لوث عبادة الأصنام، نزل لدى دخوله إليها نقطةً مرتفعة فيها تسمّى «أذاخر» وعندما وقعت عيناه على الكعبة كما ورد في كتب التاريخ: اجتاحت قلبه عاصفة من الهم والحزن، وقال: «إني أحبك ولولا أنّي هُجّرتُ لما تركتك».
يتبين من هذا أنّ بين الاتحاد الوطني والقومي والنزعة القومية فاصلة كبيرة، بل لا يمكن - من الأساس - الجمع والمقارنة بينهما.