17إن ضرورة وحدة الأمّة - أيّ أمة - من القضايا التي قياساتها معها حسب الاصطلاح المنطقي، أي أنها ادّعاءٌ يحمل دليله معه، ومن ثم لا يحتاج إلى برهان أو دليل.
المقطع الأول من مقطعي العنوان أعلاه عبارة عن «الاتحاد الوطني»، ومن الواضح أنّ الوحدة القومية والوطنية تختلف عن النزعة القومية، فالقومية مرفوضة في الإسلام، وقد ذمّ القرآن بشكل واضح هذه النزعة، فقد جاء فيه قوله تعالى: يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ إِنّٰا خَلَقْنٰاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثىٰ وَ جَعَلْنٰاكُمْ شُعُوباً وَ قَبٰائِلَ لِتَعٰارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ . 1
وتحمل النزعة القومية معها معطيات مرفوضة وسلبية، إنها تعني أفضلية قومٍ على آخرين؛ للغتهم أو دمهم أو أرضهم أو قوميتهم، إنهم يفتخرون بذلك، ويمارسون الإذلال والتحقير بحق الشعوب الأخرى.
إن هذا اللون من التفكير مذموم من جانبي العقل والشريعة الإسلامية المقدسة، فهو يمثل نوعاً من التفكير اليهودي الذي يرى بني إسرائيل أمةً مختارةً، ولهذا فهم ينسبون إلى الله أشياء لطالما ردّها القرآن، منها - على سبيل المثال - : وَ قٰالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّٰ مَنْ كٰانَ هُوداً أَوْ نَصٰارىٰ 2، و قٰالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصٰارىٰ عَلىٰ شَيْءٍ وَ قٰالَتِ النَّصٰارىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلىٰ شَيْءٍ 3 و قُلْ إِنْ كٰانَتْ لَكُمُ الدّٰارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللّٰهِ خٰالِصَةً مِنْ دُونِ النّٰاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ 4. إن هذه القومية نوع من عبادة العِرق، ومع الأسف فقد تفشت هذه النزعة في العالم في القرنين الأخيرين وأفضت إلى نزاعات واضطرابات وحروب عدّة، بينما نرى أن منطق الإسلام لا يعطي للقومية والعِرقية أيّ قيمة ولا يعيرها أيّ اهتمام.