97وممّا يلفت النظر أنّه توجد في مقابل الروايات المتقدِّمة بخصوص حجّ التمتّع، روايات اخرى أيضاً في المصادر الروائية لأهل السنّة تؤكّد على أداء حجّ الإفراد أو حجّ القران، وتقول بافتراق مراسم العمرة عن مراسم الحجّ وأنّه لا يمكن أداؤهما معاً في سفر واحد. وبعض هذه الروايات تحكي سيرة النبيّ(ص) في هذا الخصوص، وبعضها الآخر ينقل عمل بعض الصحابة وخاصّة الخلفاء الأوائل بعد رحلة رسول الله(ص)، وممّا يجدر بالملاحظة أنّ أكثر هذه الروايات تنقل مخالفة فريق آخر من الصحابة وخاصّة عليّ(ع) عملَ الخلفاء والإصرار على أداء عمرة التمتّع في أشهر الحجّ، ومن نماذج تلك الروايات ما يلي:
1 - عن محمّد بن المنكدر عن جابر: «إنّ رسول الله(ص) وأبا بكر وعمر وعثمان أفردوا الحجّ» 1.
2 - وعن ابن عمر قال: «أهللنا مع رسول الله(ص) بالحجّ مفرداً - وفي رواية ابن عون - أنّ رسول الله(ص) أهل بالحجّ مفرداً» 2.
3 - وعن إبراهيم التيمي عن أبيه، أنّه التقى بأبي ذرّ في الربذة فقال له أبو ذرّ: «كانت المتعة في الحجّ لأصحاب محمّد(ص) خاصّة» 3.
وفي بعض الروايات الاُخرى عن أبي ذرّ: إنّ متعتي الحجّ والنساء كانت رخصة لأصحاب النبيّ خاصّة 4.
4 - ويقول أبو موسى الأشعري أنّه كان يفتي بعمرة التمتّع بعد رحلة النبيّ(ص) إلى أيّام خلافة عمر.. وفي أحد المواسم قال له رجل بأنّ الخليفة قد أصدر فتوى جديدة ومنع عمرة التمتّع، فسأل عن فتوى عمر فقال عمر: إنْ نأخذ بكتاب الله فإنّ الله عزّ وجلّ قالَ: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ 5، وإن نأخذ بسنّة نبيّنا عليه الصلاة والسلام فإنّ النبيّ لم يحلّ حتّى نحر الهدي 6.
وفي حديث آخر: قال لأبي موسى: قد علمت أنّ النبيّ(ص) قد فعله وأصحابه ولكن كرهت أن يظلّوا معرّسين بهنّ في الأراك ثمّ يروحون في الحجّ تقطر رؤوسهم 7.
5 - وعن سعيد بن المسيب أنّه قال: اجتمع عليّ وعثمان بعسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة، فقال عليّ: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله(ص) تنهى عنه؟ فقال عثمان: دعنا منك، فقال: إنّي لا أستطيع أن أدعك، فلمّا أن رأى عليّ ذلك أهلَّ بهما جميعاً 8.
هل كانت رخصة عمرة التمتّع خاصّة؟
تستند بعض الروايات المخالفة لعمرة التمتّع إلى أنّ تلك رخصة خاصّة لأصحاب النبيّ(ص) وأنّها كانت محصورة بعصر الرسالة، ولذلك لا يمكن اعتبارها حكماً دائميّاً! وقد وردت ادّعاءات بهذا الخصوص، وخصوصاً عن لسان أبي ذرّ، مثلاً:
1 - روى إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذرّ قال: كانت المتعة في الحجّ لأصحاب محمّد(ص) خاصّة 9.
2 - وعنه، عن أبي ذرّ قال: لا تصلح المتعتان إلاّ لنا خاصّة. يعني متعة النساء ومتعة الحجّ 10.
3 - وعن عبد الرحمن بن أبي الشعثاء قال: أتيت إبراهيم النخعي وإبراهيم التيمي فقلت: إنّي أهُمّ أن أجمع العمرة والحجّ العام، فقال إبراهيم النخعي: لكن أبوك لم يكن ليهُمّ بذلك... ونقل إبراهيم التيمي عن أبيه أنّه مرَّ بأبي ذرّ(رضي الله عنه) بالربذة فذكر له ذلك، فقال: إنّما كانت لنا رخصة دونكم 11.
نقد ودراسة الروايات المعارضة لجواز عمرة التمتّع
وفي مقام تقييم الروايات المتقدّمة ونقد الروايات المعارضة لجواز عمرة التمتّع نقول: إنّ الروايات الحاكية لاجتناب النبيّ(ص) وبعض الصحابة عن أداء عمرة التمتّع في حجّة الوداع يمكن قبولها، فإنّ السبب الوحيد لذلك هو اصطحاب النبيّ(ص) وبعض الصحابة للهدي، وكما تقدّم سابقاً فإنّ أكثر مَن جاء مع النبيّ(ص) ومنهم أزواجه وفاطمة الزهراء(سلام الله عليها) أيضاً قد كلّفوا بأداء عمرة التمتّع، وفي يوم التروية فقط لبّوا بقصد الحجّ. وأمّا الروايات التي تجعل رخصة عمرة التمتّع خاصّة لأصحاب النبيّ(ص) فلا يمكن قبولها؛ فهي إمّا موضوعة أو أساسها التوهّم، والدليل على ذلك:
أوّلاً: إنّ الروايات تعلن أنّ تشريع العمرة وكون العمرة والحجّ متداخلان في أشهر الحجّ، وأنّه حكم أبديّ، ومنها سؤال سراقة بن مالك بن جعشم للنبيّ(ص) حيث أشار النبيّ(ص) في جوابه إلى أبديّة تشريع العمرة 12.
وثانياً: إنّه وردت روايات متعدّدة في مصادر أهل السنّة تقول: إنّ النهي وتحريم عمرة التمتّع في أشهر الحجّ بدعة أحدثها عمر، ويبدو أنّ عمر كان ينهى الناس عن أداء عمرة التمتّع ما دام حيّاً وكان نهيه متّبعاً، لكنّه ما أن توفّي حتّى وقع الخلاف مجدّداً بين الصحابة بخصوص جواز أو عدم جواز ذلك، وقد مالَ أكثر الصحابة إلى جواز عمرة التمتّع مستندين إلى أنّه لا توجد آية أو سنّة ناسخة لعمرة التمتّع، وأنّه لا يوجد سوى رأي عمر ونظره الشخصي في نهيه عن عمرة التمتّع. والروايات التالية شاهدة على هذه الموارد:
1 - روى مطرف بن عبدالله، عن عمران بن حصين روايات عديدة نسبت النهي عن أداء عمرة التمتّع إلى الاجتهاد الشخصي بعد وفاة النبيّ(ص) منها: أنّه قال: إعلم أنّ رسول الله(ص) جمع بين حجّ وعمرة ثمّ لم ينزل فيها كتاب ولم ينهنا عنهما رسول الله(ص)، قال فيها رجل برأيه ما شاء 13.