95
الحج الأفضل في السنة النبوية
د.مجيد معارف
مقدّمة
ذكرت الروايات أنّ الحجّ شرّع في الإسلام على ثلاثة أنحاء، وهي عبارة عن: (الإفراد) و(القران) و(التمتّع) 1. وبناءً على هذه الروايات فإنّ حجّ الإفراد يعني الحجّ الخالص بحيث لا يكون للحاج نيّة اخرى غير أداء مناسك الحجّ 2.
أما حجّ القران، فهو عبارة عن الحجّ الذي يصطحب الحاجّ معه فيه الهدي من موطن سكنه 3.
وحجّ التمتّع هو الحج الذي يخرج الحاج فيه عن حالة الإحرام في الفاصلة التي تقع بين أداء مناسك العمرة ومناسك الحج، ويُجاز له الإفادة والتمتّع من المتع التي كانت محرّمة عليه حال الإحرام 4.
وقد أكّدت روايات أهل البيت(عليهم السلام) كثيراً على أداء مناسك الحجّ من النوع الثالث، وعبّرت عنه بأنّه الحجّ الأفضل وأنّه ذكرى لسنّة النبيّ(ص) وسيرة الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) .
على خطٍ آخر، توجد اختلافات كبيرة في المذاهب الأربعة لأهل السنّة حول النوع الأفضل للحجّ، وتوجد في روايات أهل السنّة أدلّة قويّة على كون حجّ التمتّع هو ما أوصى به النبيّ(ص)، لكن إقدام بعض الصحابة على نفي عمرة التمتّع أدّى إلى التأكيد والتشجيع على بقيّة أقسام الحجّ. ويتبنّى هذا المقال - استناداً إلى الأدلّة الروائية للفريقين (الشيعي والسنّي) - دراسة حال حجّ التمتّع من عصر النبيّ(ص) والبرهنة على أرجحيّته بالنسبة إلى القسمين الآخرين وخاصّة في الروايات الواردة عن طريق أهل البيت(عليهم السلام) .
ورد تقرير حجّ رسول الله(ص) في حجّة الوداع وتشريع عمرة التمتّع، وفي خصوص كيفيّة حجّ النبيّ(ص) في حجّة الوداع وردت روايات متعدّدة ومفصّلة أحياناً في الجوامع الروائية للفريقين 5. وقد أُلّفت كتب مستقلّة أيضاً بخصوص كيفيّة حجّ النبيّ(ص) استناداً إلى هذه الروايات 6، منها ما رواه عبدالله بن سنان في حديث عن الإمام الصادق(ع) يصف فيه سفر النبيّ(ص) في حجّة الوداع هكذا: «ذكر رسول الله(ص) الحجّ فكتب إلى من بلغه كتابه ممّن دخل في الإسلام: إنّ رسول الله(ص) يريد الحجّ، يؤذنهم بذلك ليحجّ من أطاق الحجّ، فأقبل الناس، فلمّا نزل الشجرة أمر الناس بنتف الإبط وحلق العانة والغسل والتجرّد في إزار ورداء أو إزار وعمامة يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء، وذكر أنّه حيث لبّى قال: «لبّيك اللّهمَّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والمُلك لا شريك لك»، وكان رسول الله(ص) يكثر من ذي المعارج، وكان يلبّي كلّما لقي راكباً أو علا أكمّة أو هبط وادياً ومن آخر الليل وفي أدبار الصلوات، فلمّا دخل مكّة دخل من أعلاها عن العقبة وخرج حين خرج من ذي طوى، فلمّا انتهى إلى باب المسجد استقبل الكعبة - وذكر ابن سنان أنّه باب بني شيبة - فحمدَ الله وأثنى عليه وصلّى على أبيه إبراهيم، ثمّ أتى الحجر فاستلمه فلمّا طاف بالبيت صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم(ع) ودخل زمزم فشرب منها، ثمّ قال: «اللّهمَّ إنّي أسألُكَ علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاءً من كلّ داء وسُقم»، فجعل يقول ذلك وهو مستقبل الكعبة، ثمّ قال لأصحابه: ليكن آخر عهدكم بالكعبة استلام الحجر، فاستلمه ثمّ خرج إلى الصفا، ثمّ قال: أبدء بما بدء الله به، ثمّ صعد على الصفا فقام عليه مقدار ما يقرأ الإنسان سورة البقرة» 7.
وطبقاً لرواية اخرى نقلها معاوية بن عمّار عن الإمام الصادق(ع): إنّ النبيّ(ص) بعد إتمامه للسعي بين الصفا والمروة:
«أقبل على الناس بوجهه فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: إنّ هذا جبرئيل - وأومأ بيده إلى خلفه - يأمرني أن آمر مَن لم يسق هدياً أن يُحلّ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم، ولكنّي سقت الهدي ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحلّ حتّى يبلغ الهدي محلّه، قال: فقال له رجلٌ من القوم: لنخرجنّ حجّاجاً ورؤوسنا وشعورنا تقطر. فقال له رسول الله(ص): أمّا إنّك لن تؤمن بهذا أبداً».
«فقال له سراقة بن مالك بن جعشم الكناني: يارسول الله! علّمنا ديننا كأنّا خُلقنا اليوم فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لما يستقبل؟
فقال له رسول الله(ص): بل هو للأبد إلى يوم القيامة، ثمّ شبّك أصابعه وقال: دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة» 8.
وبعد خطاب النبيّ(ص) وبالرغم من كون الحكم الشرعي الجديد ثقيلاً على بعض الصحابة وغير قابل للقبول، لكن على أيّ حال فقد انقسم الأصحاب ومن جاء مع النبيّ(ص) إلى مجموعتين: