92«مصعب بن عمير بن هاشم وأبو أيوب خالد بن زيد أخو بني النجار: أخوين».
معركة بدر
وبعد هجرة الرسول(ص) وصحبه إلى المدينة، وكان هذا بعد بيعة العقبة الثانية، وقعت أولى معارك الإسلام الكبرى معركة بدر، وقد حمل مصعب بن عمير فيها راية المسلمين، وللراية في أي معركة - كما هو معروف - دور عظيم وخطير فما دامت مرفوعة تدل على صلابة وثبات وقوة من ينضوون تحتها ولهذا تكون هدفاً أساسياً لكلا المتحاربين..
لقد دفع رسول الله(ص) اللواء إلى مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وكان أبيض. فيما كانت أمام رسول الله(ص) رايتان سوداوان: إحداهما مع علي بن أبي طالب يقال لها: العقاب، والأخرى مع بعض الأنصار 1.
ودافع مصعب عنها وقاتل قتال الأبطال حتى انتصر المسلمون في هذه المعركة انتصاراً ساحقاً.
موقفه من أخيه
وبعد انتهاء المعركة سمع مصعب بن عمير رضي الله عنه بأن أخاه عزيز بن عمير، وكان هذا يحمل راية المشركين وقع أسيراً بيد أنصاري..
تقول الرواية:
لما جاءوا بالمشركين الذين وقعوا أسرى بيد المسلمين في معركة بدر الكبرى فرقهم رسول الله(ص) بين أصحابه وقال:
«استوصوا بالأسارى خيراً».
يقول أحد أولئك الأسارى وهو أبو عزيز بن عمير بن هاشم أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه :
مرّ بي أخي مصعب بن عمير ورجل من الأنصار يأسرني، فقال : شدّ يديك به، فإن أمه ذات متاع، لعلها تفديه منك . قال : وكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا اذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصّوني بالخبز، وأكلوا التمر، لوصية رسول الله(ص) إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها، فأستحي فأردها على أحدهم فيردها علي ما يمسها.
وكان أبو عزيز صاحب لواء المشركين ببدر بعد النضر بن الحارث، فلما قال أخوه مصعب بن عمير لأبي اليسر، وهو الذي أسره، ما قال، قال له أبو العزيز : يا أخي، هذه وصاتك بي، فقال مصعب: إنه أخي دونك، فسألت أمه عن أغلى ما فدي به قرشي، فقيل لها: أربعة آلاف درهم، فبعثت بأربعة آلاف درهم ففدته بها . وقد أسلم أبو عزيز هذا الذي كان إسمه زرارة 2.
غزوة أحد
وبعد معركة بدرالكبرى وقد أبلى فيها مصعب بلاءً حسناً.. تلتها معركة أحد، وقد حمل رايتها مصعب بأمر من رسول الله(ص) كما حمل راية بدر من قبل... ويحتدم القتال بين الفريقين المتحاربين المسلمين بقيادة رسول الله(ص) ومشركي مكة، وراح المسلمون يجولون في ميدان المعركة وكلما ازدادت المعركة شدة ازداد مصعب ثباتاً وصموداً وبيده اللواء رغم استهدافه من الأعداء .. وفي ساعة اشتداد التلاحم هذا وكاد النصر أن يكون حليف المؤمنين إذ بالرماة الذين أمرهم رسول الله(ص) بعدم مغادرة مواقعهم في أعلى الجبل مهما كانت نتيجة المعركة ..
قال ابن اسحاق «... وتعبى رسول الله(ص) للقتال، وهو في سبعمائة رجل، أمر على الرماة عبد الله بن جبير، أخا بني عمرو بن عوف، وهو معلم يومئذ بثياب بيض، والرماة خمسون رجلاً، فقال : انضح الخيل عنا بالنبل، لا يأتونا من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا، فاثبت مكانك، لا نؤتين من قبلك . وظاهر رسول الله(ص) بين درعين، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير، أخي بني عبد الدار».
وإذا بأكثرهم يخالف أمر الرسول(ص) ويترك مواقعه فيما استشهد من ثبت منهم وهم قلّة، وكان من بين الشهداء عبد الله بن جبير أمير الرماة، بعد أن انسحب أكثر الرماة ظناً منهم أن المعركة حسمت لصالح المسلمين وشاهدوا المشركين يجرّون أذيال الهزيمة وأن عليهم المبادرة للحصول على الغنائم وإلا أفلسوا منها، ولم يدركوا أن عملهم هذا حوّل النصر إلى هزيمة، وكاد أن يروح فيها رسول الله(ص)، وفعلاً فوجئ المسلمون بفرسان قريش تغشاهم من أعلى الجبل ، وحلت الفوضى بين صفوف المسلمين وراح الذعر يشتتهم ، وكان تركيز المشركين على رسول الله(ص) لينالوا منه..
وختمت فتوته بالشهادة
لقد أدرك مصعب بن عمير ذلك كله ، فحمل اللواء عالياً، وكبّر ومضى يصول ويجول ، وكان همه أن يشغل المشركين عن رسول الله(ص) فأقبل ابن قميئة وهو فارس في جيش المشركين، فضرب مصعباً على يده اليمنى فقطعها، ومصعب يردد:
وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ .