75والحديث الرابع دلالته على المدّعى ظاهرة، وكان ينبغي له ذكره من جملة الدليل، وكأنّه لم يذكره لعدم ظهور دلالته على المعنى المراد هنا، وقد عرفت ظهوره فيه وأنّه دليل أيضاً.
وقال العلاّمة في المنتهى: ويجب أن يدخل الحجر في طوافه، فلو سلك الحِجْر أو على جداره أو على شاذروان الكعبة لم يجزئه، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: «إذا سلك الحِجْر أجزأه».
لنا: أنّ الحِجْرَ من البيت وكذا الشاذروان.
وروى ابن بابويه في الصحيح قال: قلت لأبي عبدالله(ع)... إلى آخره.
وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار... إلى آخره.
وعن إبراهيم بن سفيان ... إلى آخره 1، انتهى.
فذكر جميع ما ذكره في الفقيه حجّة على أبي حنيفة القائل: «بعدم وجوب إدخال الحِجْر». فإنّه لولا الوجوب لما وجب إعادة الشوط أو الطواف بالمخالفة كما لا يخفى.
أقول: في كون الحِجْرِ من البيت منع ظاهر. إذ الدليل قائم على خروجه عنه وعدم دخول شيءٍ من البيت فيه، كصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله(ع)قال: سألت أبا عبدالله(ع)عن الحِجْرِ أمِنَ البَيْتِ هو أو ليس شَيءٌ من البيت؟ قال: ولا قلامة ظفر، ولكن إسماعيل دفن امّه فيه فكره أن يوطأ فجعل عليه حِجْراً، وفيه قبور أنبياء 2.
نعم ذكر بعضهم أنّه من البيت وأنّ ذلك هو المشهور، كالشهيد في الدروس 3، ولا شيء من طرق الأصحاب يدلّ على ذلك.
ولكن رويت (... ... ...) 4 عن المخالفين. وما رواه العامّة عن عائشة أنّها نذرت صلاة ركعتين بالبيت فأمرها رسول الله(ص) [أن تصلي في الحِجْر فإن ستة أذرع منه من البيت] 5 (... ...) 6.
نعم يجب إدخاله في الطواف بالنصّ والإجماع.
وقال في التذكرة: «لو طاف ستّة أشواط ماشياً وانصرف ثمّ ذكر فليضف إليها شوطاً آخر ولا شيء عليه، وإن لم يذكر حتّى رجع إلى أهله أمر مَن يطوف عنه.
وقال أبو حنيفة: يجبره بدم.
لنا أصالة البراءة من الدم وبقاء عهدة التكليف في الشوط المنسي إلى أن يأتي به. ولرواية الحلبي - في الصحيح - عن الصادق(ع) قال: قلت... إلى آخره» 7.
فاستدلّ بهذا الحديث على وجوب التعميم من دون شيء آخر والعبارة المنقولة (في الحجّ) عوض (في الحِجْر) وإنّما يتمّ استدلاله بناءً على ذلك، وأمّا بناءً على ما هو أصل الرواية من الحِجْر فلا دلالة؛ لأنّها غير مطابقة لمدّعاه، أو هو النقصان من دون اختصار في الحِجْر، والحديث إنّما هو في الاختصار في الحِجْر، فلا يلزم من عدم وجوب دم هنا أن لا يجب هناك.
وأبو حنيفة حين قال بوجوب الدم في اختصار الحِجْر - لأنّ مذهبه أنّه لا يجب إدخاله في الطواف ولا يجب بالاختصار عنده - بنى أصلاً 8 إذ لم يقع منه ما يخالف المقدر شرعاً حتّى يوجب الجبران كما علم ممّا ذكر في المنتهى آنفاً.
ولو استدلّ بحسنة حفص بن البختري لكان أولى؛ لأنّها تدلّ على مدّعاه هنا أيضاً.
وقال السيّد في شرحه هنا: والمعتمد البناء إن كان المنقوص شوطاً واحداً وكان النقصان على وجه النسيان أو الجهل، والاستئناف مطلقاً في غيره. ثمّ استدلّ بصحيحة الحلبي عن الصادق (ع) كما استدلّ به في التذكرة، إلاّ أنّه لم يُغيّر لفظ الحِجْر 9.
وفيه ما قد علمت.
أقول: فعلم من كلامه أنّ الجاهل هنا كالناسي لا يبطل طوافه بنقصان شوط جهلاً فلا يبطل بنقصان بعضه بطريق أولى، مع أنّه جزء مدّعاه كما لا يخفى، وهو مؤيّد لما ذكرناه من الجمع أوّلاً.
أقول: ورواية عطية يحتمل أن يكون المستعمل فيها الحِجْر - أي حِجْر إسماعيل بكسر الحاء وسكون الجيم - يعني أنّه توجّه إليه ودخل فيه وجعل ذلك شوطاً، والتكبير لا ينافيه، لأنّ الواو لا تفيد الترتيب، ويكون المعنى أنّه كبّر أوّلاً واستقبل الحِجْر ودخل فيه وعقد ذلك شوطاً، وهو بحسب