49وكيف كان، فالدليل على كفاية الشهادة الواحدة مضافاً إلى ما تقدّم: بعض النصوص المعتبرة المتضمن لقبول خبر الثقة حتّى فيما يدّعيه من ملك شيء بدون يد له عليه مع عدم المعارض له. ويمكن الاستدلال لذلك بما ورد في مراجعة الناس والأعراب لمعرفة بعض المواقيت في الحج كما في صحيح معاوية بن عمار؛ وما ورد في جواز التعويل على أذان أهل السنة معللاً بشدّة مواظبتهم على الوقت.
ثمّ إنّه ربّما يجوز الإكتفاء في إثبات مثل هذه الموضوعات بالشياع كما في حدود البلاد. وتفصيل الكلام فيه في غير المقام.
وأمّا ما ورد من اعتبار التعدّد في الشهادة فهو مخصوص بباب القضاء والمرافعات؛ بل لا عموم له لمطلق باب القضاء، ولذا تقدّم أن في النصّ أنّ المدّعي للملك إذا لم يعارضه منكر صدّق في قوله بلا حاجة إلى شاهد سوى قوله فضلاً عن اعتبار التعدّد في الشاهد.
وأمّا حديث مسعدة:
«والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين غير ذلك أو تقوم به البيّنة» فقد ذكر سيّدنا الاُستاذ أنّ المراد من البيّنة فيها معناها اللغوي وهو الحجّة لا البيّنة الاصطلاحيّة التي هي بمعنى الشاهدين ونحوهما.
هذا كلّه لو فرض ثبوت اصطلاح متشرّعي بل شرعي بل عرفي في إطلاق البيّنة على الشاهدين كما هو غير بعيد وإلاّ فالأمر أوضح.
وبالجملة: فإذا فرض للبيّنة اصطلاحان ومعنيان: أحدهما مطلق الحجّة، والآخر: الشاهدان، كان اللفظ مجملاً كما في سائر المشتركات.
المسألة السادسة:
إنّ الواجب من السعي من حيث الطول هو ما بين الجبلين فلا يجب استيعاب الجبلين في السعي بحيث يصعد عليهما فضلاً عن أن يبلغ الناسك نهايتهما.
كلّ ذلك لأنّ الواجب هو السعي بين الجبلين لا أكثر.
بل لو أتى بأكثر من ذلك بعنوان الواجب كان زيادة في السعي مبطلة على القاعدة، إلاّ أن يكون مشتبهاً في تصوّره الوجوب وكان قاصداً للوظيفة التي هي الاستحباب في الجملة.
والمراد من الاستحباب في الجملة هو استحباب الصعود على الجبل لا استحباب السعي والحركة التي هي مقدّمة الصعود.
ثمّ إنّه حيث فرض طمّ الأرض ودفن بعض الجبلين برفع المسعى فالظاهر أنّ العبرة بالجبل الموجود فعلاً كما تقدّم؛ ويكون القسم المطموم من الجبل من قبيل الجذور التي لا عبرة بها فيجب استيعاب السعي بين القسم الناتئ من الصفا والمروة فعلاً لا ما كان ناتئاً وظاهراً قبل الطمّ.
نعم الظاهر كفاية الوصول إلى نهاية الأرض المستوية وعدم وجوب الأخذ في الارتفاع من البنيان الموجود متّصلاً بحائط الجبل المبني بأحجار خاصّة تسهيلاً على الناس للارتفاع على الجبل، وذلك إمّا لصدق الجبل فعلاً عن البنيان الموجود أو لكونه بحذاء الجبل الطبيعي الموجود تحت هذا البنيان والذي صار فعلاً من الجذور - ولا أقلّ من احتمال محاذاة البنيان للجبل الطبيعي - . ويحتمل عدم صدق مبدء الجبل على الأرض المفروشة بالرخام وإن كانت غير مستوية بل آخذة في الإرتفاع فتأمل.
ومع الشكّ فقد تقدم ما ينبغي القول فيه.
المسألة السابعة:
في تحديد المسعى بحسب ما هو الموجود فعلاً من الصفا والمروة.
قد حدّد المسعى في عصرنا ببناء جدارين بطول المسعى يحيطان به، وعرض ما بينهما يقرب من عشرين متراً، ومن الواضح جدّاً أنّ هذا البنيان لا قدم له بل هو حادث.
وأنّه كان المسعى أرضاً خالية من البنيان سوى نفس ربوتي صفا والمروة، وكان بين المسجد الحرام وبين المسعى فاصل فقد كان المسجد مُحاطاً بجدار وكان المسعى على فاصل من جدار المسجد.
وقد صُرّح في السير بوجود دور أو بيوت بين المسجد والمسعى؛ والآن قد اتّصل المسجد في بنائه بالمسعى فيخرج الإنسان من المسجد بالدخول إلى المسعى.
ويلوح لي أنّ جملة من بناء المسجد الأخير قد وقع في أرض المسعى وهذا بدعة لا تجوز؛ لأنّ المشاعر لا يجوز البناء فيها بما يمنع من أداء النسك المقرّر فيها.