48إنّه حيث قيل بوجوب كون السعي بين الصفا والمروة بحيث لا يخرج عن محاذاتهما لم يكف محاذاة جذور الجبلين إذا زاد عرضه عن عرض الناتئ من الجبلين كما هو كذلك طبيعة.
والسرّ في ذلك أنّ جذور الشيء لا يعدّ من الشيء، فلذا لا يعدّ جذور الشجر من أجزائه وإن كان من قبيل الأساس له، ولذا لا تكون العلّة من أجزاء المعلول وإن كان وجود المعلول متقوّماً بها.
والتعبير عن بعض الجبال بالمعادن مع عدم اختصاص المعدن بالقسم الظاهر من الجبل يعنون به اشتمال ذاك الجبل على المعدن واستبطانه له ولو اطلاقاً مجازيّاً.
نعم، لو حفرت الأرض حتّى بدت الجذور صدق بعده عليها عنوان الجبل فما دامت الجذور مطمورة مطموسة لا تكون من الجبل وإن كان بعد الظهور تكون داخلة في أجزاء الجبل.
إلاّ أن يُقال: إنّ العبرة بالقسم الظاهر من الجبل قديماً لا ما يتحقّق ظهوره بالحفر، وهذا مبنيّ على كون عنوان الصفا والمروة من قبيل القضيّة الخارجيّة مشيرين إلى معيّن.
المسألة الرابعة:
إنّ مقتضى الجمود على عنوان ما بين الصفا والمروة هو لزوم كون الحركة بين ربوتين موجودتين بالفعل، كما أنّ مقتضى الجمود على عنوان الطواف بالبيت هو اشتراط وجود البنية حال الطواف، فلو فرض - لا سمح الله - انهدام الكعبة لم تكن الحركة الدورية على موضع البيت طوافاً بالبيت؛ لأنّ البيت اسم للبنيان لا للموضع، ففرق بين الطواف بالبيت وبالكعبة وبين الطواف بموضع أو مكان، والواجب حسب تعبير النصوص من الكتاب وغيره هو الأوّل.
وكذا الكلام في السعي؛ فإنّ العنوان المطلوب حسب النصوص هو السعي بين عنواني الصفا والمروة اللذين هما اسما الجبلين أو الربوتين لا اسم موضعهما.
ولعلّه لذا قد يستفاد من بعض النصوص وجوب بناء الكعبة لو انهدمت؛ قال في الوسائل: باب وجوب احترام الكعبة وتعظيمها وتحريم هدمها 1.
ثم إنه لا ينافي ما ذكرنا عدم سقوط الطواف والسعي لو فرض انعدام البيت وربايا صفا والمروة.
مع أنّه يكفي للدلالة على وجوب بناء الكعبة ما دلّ على وجوب الطواف بها بعد كون بنائها مقدّمة للامتثال؛ وليس بناء الكعبة من قبيل شرط الوجوب بل هو شرط الواجب فيجب تحصيله.
وعلى هذا الأساس فلا يبعد وجوب بناء ربوتي الصفا والمروة لو انهدمتا - لا سمح الله - بنفس البيان المتقدّم في بناء الكعبة. ولعلّه إنّما لم يرد التعرّض له في النصّ الخاصّ لعدم كون انهدامهما فرضاً متعارفاً بعد كون الجبل أمراً محكماً لا يزول على مرّ الأزمنة؛ بخلاف البنيان مهما كان مستحكماً.
ولو زيدَ في طول ما بين الصفا والمروة بهدم بعضهما من قبل وجههما ففي كون العبرة بمحلّ الشعيرتين قبل الهدم أو كون العبرة بهما حسب وجودهما فعلاً؟ احتمالان؛ مقتضى الصناعة مراعاة الحالة الفعليّة فيجب استيعاب ما بين الشعيرتين بالمشي؛ ولا يكفي رعاية الشعيرة قبل هدم بعضها.
ويترتّب على ذلك أنّه لو طمّ بعض الجبلين برفع أرض المسعى كانت العبرة بالجبل بعد الطمّ لا قبله.
كما أنّه يكفي المشي إلى أن تأخذ الأرض في الارتفاع فإنه مبدء الربوة والجبل ولا يجب الصعود.
المسألة الخامسة:
لو فرض اشتراط محاذاة السعي للجبل وفرض شهادة بعض الناس بأنّ عرض الجبل كان أكثر من المقدار الموجود فعلاً، فالظاهر كفايتها وجواز الاعتماد عليها إذا كان الشاهد ثقة ولا يعتبر فيه التعدّد، بل يكفي شهادة واحدة ولو من امرأة فضلاً عن شهادة الرجل.
ويدلّ على ذلك مضافاً إلى السيرة في قبول شهادة الثقة مطلقاً، ولذا كان بناء الفقهاء على العمل برواية الثقة في الأحكام حتّى المرأة الواحدة فضلاً عن الرجل، وليس بناء العقلاء على اعتبار قول الثقة في خصوص رواية الأحكام، بل ذكرنا في محلّه أنّ رواية الحكم عند العقلاء يعدّ من الشهادة على الموضوعات وهو الشهادة بصدور القول، وأمّا أنّ هذا القول له ظهور وله مضمون كذائي فهذا لا موضوعيّة له عند العقلاء.