43وقال في الدروس: روي أنّ حدّ المسجد ما بين الصفا والمروة، وروي أنّ خطّ إبراهيم ما بين الحزورة والمسعى. وروى جميل أنّ الصادق(ع) سئل عمّا زيدَ في المسجد أمن المسجد؟ قال: نعم، إنّهم لم يبلغوا مسجد إبراهيم وإسماعيل، وقال: الحرم كلّه مسجد 1.
وقال المحقق المجلسي في الملاذ ذيل معتبرة عبدالله بن سنان المتقدِّمة:
في بعض النسخ والكافي: إلى المسعى. وعلى ما في الكتاب - يعني ما في نسخته من كلمة السعي بدل المسعى - لعلّ المراد مبدء السعي أي الصفا.
وفي النهاية: الحزورة موضع بمكّة عند باب الحنّاطين وهي بوزن قسورة.
قال الشافعي: الناس يشدّدون الحزورة والحديبيّة، وهما مخفّفتان، انتهى.
وقال والد العلاّمة: لا يظهر من هاتين الروايتين أنّ المسعى الحالي داخل في المسجد بحيث يكون له حكم المسجد، بل الظاهر أنّ المراد بهما طول المسجد فيكون المسعى خارجاً. أو لم يكن لمسجد إبراهيم(ع) - يعني في شرعه - هذه الحرمة التي كانت لمساجدنا - يعني في شرعنا - سيّما المسجد الحرام من عدم جواز دخول الجنب والحائض وإدخال النجاسة فيها كما يظهر من جواز سعي الجنب والحائض وإزالة النجاسة في المسعى وغيرهما. بل لا يظهر أنّ جميع المسجد الذي الآن مسجد يكون له حرمة المسجد الحرام 2.
وقال والده تعليقاً على معتبرة عبدالله بن سنان: وعلى هذه الرواية يكون طوله - يعني المسجد - أنقص - يعني ممّا ذكر في الرواية الاُخرى - لأنّ الحزورة ما بين الصفا والمروة، والمراد من المسعى هنا مبدء السعي وهو الصفا 3.
وقال تعليقاً على معتبرة الحسين بن نعيم عند قول: فكان الناس يحجّون؛ أي يطوفون حول الكعبة إلى الصفا أو يحرمون منه. والظاهر أنّ هذه الزيادة المخلّة من الصدوق لما رواه الكليني عن الحسن بن النعمان، ثمّ ذكر الرواية 4.
ثمّ إنّ هناك بعض النصوص تضمّنت أنّ المهدي(ع) إذا ظهر ردّ المسجد إلى حالته الأساسيّة وحدّه السابق.
ففي قويّة أبي بصير المرويّة عن غيبة الشيخ عن أبي عبدالله(ع)قال: القائم يهدم المسجد الحرام حتّى يردّه إلى أساسه، ومسجد الرسول(ص) إلى أساسه، ويرد البيت إلى موضعه وأقامه على أساسه وقطع أيدي بني شيبة السرّاق وعلّقها على الكعبة 5.
ورواها في البحار عن الإرشاد قال: روى أبو بصير قال: قال أبو عبدالله(ع): إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتّى يردّه إلى أساسه وحوّل المقام إلى الموضع الذي كان فيه وقطع أيدي بني شيبة وعلّقها على باب الكعبة، وكتب عليها: هؤلاء سرّاق الكعبة 6.
وكأنّ المنصرف من هذا النقل أنّ المهدي(ع) يرجع المسجد كحالته قبل التوسعة؛ وقد وجّهنا ذلك في بعض ما كتبناه بأنّه ربّما كان ذلك لئلاّ يستلزم وسعة المسجد وجوب الحجّ على عدد أكبر ممّن يجب الحجّ عليهم على تقدير صغر المسجد؛ بعد عدم صدق الاستطاعة للحجّ على تقدير ضيق المشاعر والشعائر عن أداء النسك؛ وأداء الغرض من وجوب الحجّ بحجّ عدد خاصّ يبلِّغون الناس في مرجعهم ما تلقّوه من المعارف والأخبار في الحجّ وملاقاة الإمام.
وقد ذكرنا أنّ الظاهر من مثل هذا النصّ هو الاعتراض والنقمة على الوضع الموجود وأنّه لو ظهر المهدي(ع) وكان الأمر مثل ما كان لغيّره الإمام(ع)، فلا ينافي حصول التغير بفعل غيره قبل ظهوره. ولذا ذكرنا أنّه لا يبعد دلالة مثله على جواز مباشرة غير المهدي(ع) لذلك.
ولكن الذي أظنّه قويّاً أخيراً هو إنّ المقصود: أنّ المهدي(ع) إذا ظهر يردّ المسجد الحرام بعد هدم الحدّ الذي كان في زمن الصادق(ع) إلى أساسه الذي وضعه إبراهيم(ع)، وقد سمعت في نصوص عدّة أنّ حدّ المسجد أوسع من الزيادات التي حصلت في زمن الصادق(ع) وأنّهم لم يبلغوا بعد في زمنه الحدّ الذي خطّه إبراهيم(ع)، فكان هناك مجال لتوسعة المسجد آنذاك ليبلغ حدّه الأساسي؛ لا أنّه(ع) سيهدم الحدّ الذي بني في زمانه ويصغّر المسجد عن الوسعة التي حصلت؛ كيف؟ والمسجد بعد التوسعة لو فرض زيادته عن المسجد الأصلي فأيّ محذور في سعته؟
واحتمال كون السعة بدعة إنّما يتمّ لو كانت الوسعة بعنوان تحديد منسوب إلى معصوم، لا مجرّد توسعة مشروعة في المساجد كلّها.
إلاّ أن يُقال: إنّ للمسجد الحرام حكماً خاصّاً وهو كونه بحدّ خاصّ وتكون الزيادة عليه بدعة كما أنّ نقل مقام إبراهيم(ع) عن موضعه الأصلي ووضعه في موضع آخر بدعة فتأمّل.
وربّما يؤيّده زيادة ردّ مسجد النبيّ إلى أساسه.
وكيف كان، وممّا يؤكّد ما ذكرناه من احتمال كون المراد أنّ المهدي يبلغ بالمسجد حدّه الأصلي لا أنّ المراد تصغير المسجد بردّ الزيادات: مع قصور دلالة رواية أبي بصير المتقدِّمة عن خلافه، ما ورد في بعض النصوص من هدم بعض المساجد حتّى يبلغ أساسها بدل ردّها إلى أساسها؛ وإن كان المظنون أنّ في ذاك الحديث وهماً حيث ذكر فيها: أمر بهدم المساجد الأربعة حتّى يبلغ أساسها؛ وظنّي أنّ المساجد الأربعة هي مساجد أربعة بالكوفة بنيت على النصب فيأمر بهدمها كما في بعض النصوص، ولعلّ الحديث كان هكذا: أمر بهدم المساجد الأربعة وبهدم المسجد الحرام حتّى يبلغ أساسه 7.