42ففي معتبرة زرارة بن أعين قال: قلت لأبي جعفر(ع) : ما تقول في النوم في المساجد؟
قال: «لا بأس به إلاّ في المسجدين: مسجد النبيّ(ص) والمسجد الحرام».
قال: «وكان يأخذ بيدي في بعض الليل فيتنحّى ناحية ثمّ يجلس فيتحدّث في المسجد الحرام فربّما نام هو ونمت»، فقلت له في ذلك فقال: «إنّما يكره أن ينام في المسجد الحرام الذي كان على عهد رسول الله(ص) فأمّا النوم في هذا الموضع فليس به بأس» 1.
ونفس هذا الخبر شاهد عرفي من زرارة على تصديقه بكون المسجد بعد التوسعة مصداقاً للمسجد الحرام ولذا أشكل عليه الأمر في منام الإمام(ع) في قسم الزيادات.
وربّما كان اختصاص الحكم بالمسجد القديم لضيقه ومزاحمة الطائفين وأمّا الزيادات فلا محذور في النوم فيها لعدم المزاحمة مع الغرض.
ثمّ إنّ ما تقدّم من مقتضى القاعدة هو بالغضّ عمّا ورد في تحديد المسجد الحرام بما يعمّ التوسعة الجديدة كالذي تضمّن تحديد المسجد بالمسعى. ولا بأس بالتعرض لذلك لمناسبة بحث المسعى.
ففي معتبرة جميل بن درّاج قال:
قال له الطيّار وأنا حاضر: هذا الذي زيدَ هو من المسجد؟ فقال: «نعم، إنّهم لم يبلغوا بعد مسجد إبراهيم وإسماعيل» 2.
وفي معتبرة حمّاد بن عثمان عن الحسين بن نعيم - وهو أيضاً ثقة - قال:
سألت أبا عبدالله(ع)عمّا زاد في المسجد الحرام عن الصلاة فيه؟ فقال: «إنّ إبراهيم وإسماعيل حدّا المسجد ما بين الصفا والمروة فكان الناس يحجّون من المسجد إلى الصفا» 3.
وفي معتبرة حمّاد بن عثمان عن الحسن بن النعمان قال:
سألت أبا عبدالله(ع)عمّا زادوا في المسجد الحرام؟ فقال: «إنّ إبراهيم وإسماعيل حدّا المسجد الحرام ما بين الصفا والمروة» 4.
وفي معتبرة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(ع)قال:
«كان خطّ إبراهيم بمكّة ما بين الحزورة إلى المسعى فذاك الذي كان خطّ إبراهيم(ع)» يعني المسجد 5.
وظاهر تحديد إبراهيم(ع) المسجد الحرام بما بين الصفا والمروة هو كون المسعى حدّ المسجد والحدّ خارج ظاهراً فيكون المسجد إلى المسعى.
ولا يبعد كون المفهوم العرفي من بيان ضلع واحد للمسجد دون بقيّة الأضلاع كون الشكل مربّعاً؛ فإنّ المقصود بالتحديد المتقدِّم إمّا حساب المسجد من الكعبة إلى المسعى فيكون بياناً لنصف ضلع المسجد وشعاعه من الكعبة محسوباً منها إلى جهة المسعى والنصف الآخر هو حساب المسجد بما يساوي ذلك إلى الجهة المقابلة للمسعى ثمّ محاسبة الجهتين الاُخريين على حساب ذلك.
أو يكون المراد بيان ضلع كامل هو عبارة عن خطّ المسعى فيكون المسجد محدوداً في جانب المسعى به ويكون حساب سائر الأضلاع حيث اطلق على حساب الضلع المذكور. وإلاّ كان إجمالاً في البيان منافياً للغرض. ولا أقلّ من الإطلاق المقامي.
وهذا نظير ما ورد في تحديد الكرّ بذراع ونصف.
ويحتمل كون المراد بيان مقدار ضلع المسجد وأنّه مساو للمسعى من دون أن يكون نفس المسعى حدّاً للمسجد. لكنّه خلاف الظاهر.
والمراد من حجّ الناس من المسجد إلى الصفا هو أنّ خروجهم من المسجد كان بدخول صفا والحضور عنده.
ولكن العلاّمة المجلسي نحا نحواً آخر في بيان هذه الأحاديث حيث قال ذيل صحيح الحسين بن نعيم:
وظاهر هذا الخبر أنّ المسجد كان في زمنهما أوسع منه الآن بحيث كان المسعى داخلاً فيه؛ فكانوا يحجّون أي يقصدون من نفس المسجد إلى الصفا، إذ كان المسعى داخلاً فيه 6.
أقول: ما ذكره غير واضح؛ بعد احتمال خروج الحدّ كما في قوله تعالى: أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ 7.
ثمّ قال بعد العبارة المتقدِّمة: أو المراد سعة المطاف؛ والمراد بقوله يحجّون أي يطوفون حول الكعبة إلى الصفا. أو المراد كانوا يحرمون للحجّ من المسجد إلى الصفا كما قيل.
وقيل: أي كان المسجد الحرام بشكل الدائرة وكانت مسافة المحيط بقدر ما بين الصفا والمروة فيكون من مركز الكعبة إلى منتهى المسجد من كلّ جانب بقدر سدس ما بينهما، لأنّ قطر الدائرة قريب من ثلث المحيط. ولا يخفى ما فيه.